مَن قادَ أَعمَى أربعين خُطوَةً وَجَبَت له الجَنَّةُ".
اللفظ / العبارة'
مَن قادَ أَعمَى أربعين خُطوَةً وَجَبَت له الجَنَّةُ".
متعلق اللفظ
مسائل حديثية
الحكم الشرعي
باطل
القسم
المناهي العملية
Content
سُئلتُ عن حديث:"مَن قادَ أَعمَى أربعين خُطوَةً وَجَبَت له الجَنَّةُ".
• قلتُ: قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.
وقد ورد من حديث ابن عُمَر، وأنَسٍ، وابنِ عبَّاسٍ، وأبي هُريرَةَ، وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم -.
* أمَّا حديث ابن عُمَر - رضي الله عنهما -.
فأخرَجَهُ أبو يَعلَى (ج ٩/ رقم ٥٦١٣) ..
وابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(٥/ ١٨٥١) قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ إبراهيم بن مَيمُون ..
وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(٣/ ١٥٨)، ومن طريقه ابنُ الجَوْزِيِّ في "الموضوعات"(١٠٨٧) من طريق مُحمَّد بن إبراهيم بن أبان السَّرَّاج، ثَلَاثَتُهم: ثنا يحيى بنُ أيُّوبَ، ثنا سَلْمُ بنُ سالمٍ، عن عليّ بن عُروة، عن مُحمَّد بن المُنكدِر، عن ابن عُمَر مرفُوعًا فذَكَرَه.
وأخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير"(١٢/ ٣٥٣) عن عبد الحَمِيد بن صالحٍ ..
والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(ج ٦/ رقم ٧٦٢٨) عن سَعدَان بن نصر ..
والخطيبُ في "تاريخه"(٥/ ١٠٥) عن الحَسَن بن عَرَفة، ثَلَاثَتُهم عن سَلْم بن سالمٍ بهذا الإسناد سواء.ص:16.
وهذا سَنَدٌ ضعيفٌ جدًّا؛ وسَلْمُ بنُ سالمٍ شِبهُ المتروك، فقد ضعَّفه أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، والنَّسَائِيُّ، وكان ابنُ المُبارَك شديدَ الحَمْل عليه.
وقد تابَعَهُ أَصرَمُ بنُ حَوْشَبٍ، فرواه عن عليِّ بن عُروَة بهذا الإسناد.
أخرَجَهُ ابنُ شَاهِين في "التَّرغيب"(٥١٣)، ومن طريقه ابنُ الجَوزِيِّ في "الموضوعات"(١٥٨٧).
وأَصرَمُ أَصرَمٌ مِن الخَير، فقد كَذَّبَهُ غيرُ واحدٍ منهم ابنُ مَعِينٍ، وتَرَكه البُخارِيُّ، وغيرُه.
وعليُّ بنُ عُروة ذكر ابنُ حِبَّان هذا الحديثَ في ترجَمَتِهِ من "المجرُوحين"(٢/ ١٠٧) وقال: "كان ممَّن يضعُ الحديثَ، على قِلَّته".
وقد تُوبِع عليٌّ ..
فتابَعَهُ ثَوْرُ بنُ يزيد، فرواه عن ابن المُنكدِر بهذا الإسناد سواء.
أخرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(٢/ ٥٣١)، ومن طريقه ابنُ الجَوزِيِّ (١٠٩١) قال: حدَّثَنا إسماعيلُ بنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُليمانُ بنُ عبد الرَّحمن، ثنا مُحمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحمن القُشَيرِيُّ، ثنا ثورُ بنُ يزيدَ بهذا.
قال ابنُ عَدِي:"هذا الحديث لا يَروِيه عن ابن المُنكدِر غيرُ ثَوْرٍ، ومِن حديثِ ثورٍ أغربُ. ولا أعلمُ يرويه عن ثورٍ غيرُ مُحَمَّدٍ، وعنه سُليمانُ" ..
وثورٌ ثقةٌ، تَكلَّمُوا فيه لبدعته. ولكنِ الشَّأنُ في الرَّاوِي عنه، وهو مُحمَّدُ بنُ عبد الرَّحمن؛ فإنَّه نَكِرَةٌ لا يُعرَفُ.
ورواه أيضًا مُحمَّدُ بنُ عبد المَلِك الأَنصارِيُّ، عن ابن المُنكدِر بإسناده،ص:17.
بلفظ:"من قاد مَكفُوفًا أربعين خُطوَةً فصاعدًا غَفَر اللهُ له ما تَقدَّم من ذَنبِه".
أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(٧٦٢٧) من طريق عبد الوَهَّاب بن الضَّحَّاك - أحد الهَلكَى -، قال: نا إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ، نا مُحمَّدُ بنُ عبد المَلِك بهذا الإسناد.
وأخرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(٦/ ٢١٦٧)، ومن طريقه ابنُ الجَوزِيِّ (١٠٨٩) من طريق عامر بن سَيَّارٍ، ثنا مُحمَّدُ بنُ عبد المَلِك بهذا الإسناد، دون قوله:"فصاعدًا".
وهذا حديثٌ مُنكَرٌ جدَّا؛ ومُحمَّدُ بنُ عبد المَلِك تالفٌ البتَّةَ، رماهُ أحمدُ بوضع الحديثِ، وقال البُخاريُّ ومُسلِم:"مُنكَر الحديث"، وترَكَه النَّسَائِيُّ والدَّارَقُطنِيُّ وغيرُهما.
وقال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في "المطالب العالية"(٧/ ١٥٨): "ضعيفٌ جدًّا، ولا يَثبُت في هذا شيءٌ".
وقد رأيتُ ابنَ الجَوزِيِّ أَورَد هذا الحديثَ من طريق الخطيب في "تاريخه"(٥/ ١٠٥)، لكنَّه جَعَل صحابيَّ الحديث: عبدَ الله بنَ عَمْرو بن العَاصِ، والذي عِند الخطيب: عبدُ الله بنُ عُمَرَ بن الخَطَّاب، فاللهُ أَعلَمُ، أيَّ ذلك هُو الصَّوابَ. وكان ابنُ الجَوزِيِّ كَثيرَ الأوهام في نَقلِه مِن كُتب العُلماء.
وله طريقٌ آخَرُ يرويه عُبيدُ الله بنُ أبي حُميدٍ، عن نافعٍ، عن ابن عُمر مرفُوعًا:"من قاد أعمى أربَعِين خطوَةً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".ص:18.
أخرَجَه الخطيبُ في "تاريخِهِ"(٩/ ٢٤١)، ومن طريقه ابنُ الجَوزِيِّ (١٠٩٠) من طريق عبدِ الباقِي بن قانِعٍ، ثنا خَلَفُ بنُ عَمرٍو العُكْبَرِيُّ، ثنا المُعلَّى بنُ مهدِيّ، ثنا سِنانُ بنُ البَختَرِيِّ - شيخٌ من أهل المدينة، قَدِمَ علينا ببغدَادَ -، عن عُبيدِ الله بن أبي حُميدٍ بهذا.
ثُمَّ قال الخطيبُ:"رواه غيرُ عبدِ الباقِي، عن خَلَفٍ".
قال ابنُ الجوزِيِّ:"عُبيدُ الله بنُ أبي حُميدٍ مُدَلَّسٌ، وصوابُهُ: مُحمَّدُ بنُ أبي حُميدٍ، قال البُخارِيُّ: مُنكَرُ الحديث. وقال النَّسائِيُّ: ليس بثقةٍ".
أمَّا المُناوِيُّ فأعلَّهُ في "فيض القدير"(٦/ ١٨٨) بعِلَّةٍ عجيبةٍ، فقال:"رواهُ الخطيبُ في ترجمَةِ البَختَرِيِّ … وفيه: عبدُ الباقِي بنُ قانِعٍ، أورَدَهُ الذَّهَبِيُّ في "الضُّعفاء"، وقال: قال الدَّارَقُطنِيُّ: يُخطِئُ كثيرًا. والمُعلَّى بنُ مَهدِيٍّ، قال أبُو حاتِمٍ: يأتِي أحيانًا بالمُنكَر"!
فشَنَّ عليه الغُمارِيُّ الغارةَ في "المُداوِي"(٦/ ٣٧٣ - ٣٧٤) قائلًا:
"قلتُ: مِن عجيبِ أحوالِ هذا الرَّجُل أنَّه يُريدُ أن يستقِلَّ بالتَّصرُّف في الحديث والكلامِ على إسنادِهِ مع عدم معرِفَتِهِ، فيأتي بالطَّامَّات، لاسيَّما مع وُقُوفِهِ على كلام الحُفَّاظ في الحديث، فهذه الطَّريقُ قد ذَكَرَها ابنُ الجَوزِيِّ في "الموضُوعات" من طريق الخطِيبِ، ثمَّ من طريق عبدِ الباقي بن قانِعٍ، ثنا خَلَفُ بنُ عَميرو العُكْبَرِيُّ، ثنا المُعلَّى بنُ مَهدِيٍّ، ثنا سِنانُ بنُ البَختَرِيِّ - شيخٌ من أهل المدينة -، عن عُبيدِ الله بن أبي حُميدٍ، عن نافِعٍ، عن ابن عُمر به.
ثمَّ قال ابنُ الجَوزِيِّ: "قولُهُ: عُبيدُ الله بنُ أبي حُميدٍ تدليسٌ، وإنَّما هو:ص:20.
مُحمَّدُ بنُ أبي حُميدٍ، وهو مُنكَرُ الحديث، ليس بثقةٍ" ا. هـ.
فتَرَكَ الشَّارِحُ هذا، وذهَبَ يُعلِّلُ الحديثَ بعبدِ الباقِي بن قانِعٍ صاحبِ المُعجَمِ وغيرِهِ. مع أنَّه لم يَنفَرِد به، بل تابَعَهُ غيرُهُ عن شيخِهِ خلَفٍ، كما نَصَّ عليه الخطيبُ عَقِبَ الحديث. ثُمَّ بالمُعلَّى بن مَهدِيٍّ الذي قال فيه الذَّهَبِيُّ: "هو من العُبَّاد الخِيَرَةِ، صدُوقٌ في نفسِهِ"، وذَكَرَهُ ابنُ حِبَّان في "الثِّقات".
ثُمَّ إنَّ قولَه في ترجَمَةِ البَختَرِيِّ من الكلامِ الغَثِّ الذي لا فائدة فيه، سوى تسويدِ الوَرَقِ وانشِغالِ الأفكارِ والإحالَةِ على ما يُتعِبُ؛ فإنَّ في "تاريخ الخطيب" نحوُ تسعة آلاف ترجَمَةٍ بتقديم التَّاء، فأيُّ ترجَمَةٍ وُصِف صاحِبُها بالبَختَرِيِّ من هذا العَدَد الهائل حتَّى يُمكن الرُّجوعُ إليها لمن أراد ذلك؟!
مع أن الواقع أنَّه خرَّجَهُ في ترجمة: "سنانَ بن البَختَرِيِّ المَدِينِيِّ"، في نصف المُجلَّد التَّاسع، فلو فَرَضنا أن أحدًا أراد الكَشف عنه لَرَاجَعَ المُجلَّدات الثَّمانيةَ كُلَّها ونصفَ التَّاسع حتَّى يعثُر على هذا الاسم. وهذا نهايةُ ما يُمكن من التَّهوُّر وسُوء التَّصرُّف. فالواجبُ عليه أن يكتُب الاسم الكاملَ، أو يترُك التَّعريضَ بالكُلِّيَّة" انتهَى كلام الغُمارِيِّ.
• قلتُ: قلتُ: والغُمارِيُّ مُحِقٌّ فيما يتَّصلُ بالنَّقد العِلمِيِّ، إلَّا قولَهُ فيما يتعلَّق بالبَختَرِيِّ، فاحتمال سُقُوط:"سنان بن" من مطبُوعة "الفيض" واردٌ جدًّا ورُبَّما قال المُناوِيُّ: "ابنُ البَختَرِيِّ"، فسَقَطت كلمةُ "ابن". والله أعلمُ.