"إذا مُدِحَ المُؤمِن في وَجهِه، رَبَا الإيمانُ في قلبِه".

"إذا مُدِحَ المُؤمِن في وَجهِه، رَبَا الإيمانُ في قلبِه".

اللفظ / العبارة' "إذا مُدِحَ المُؤمِن في وَجهِه، رَبَا الإيمانُ في قلبِه".
متعلق اللفظ مسائل حديثية
الحكم الشرعي منكر
القسم المناهي العملية
المحتوى

- سُئلتُ عن حديث: "إذا مُدِحَ المُؤمِن في وَجهِه، رَبَا الإيمانُ في قلبِه".

• قلتُ: هذا حديثٌ مُنكَرٌ.

أخرَجَهُ الحاكم (٣/ ٥٩٧) قال: أخبَرَنا أبو جعفرٍ مُحمَّد بن عبد الله البَغدادِيُّ ..

والطَّبَرانيُّ في "الكبير" (ج ١/ رقم ٤٢٤)، قالا: ثنا مُحمَّد بن عَمْرو بن خالدٍ الحَرَّانِيُّ، حدَّثَني أبي، ثنا ابن لَهِيعَة، عن صالح بن أبي عَرِيبٍ، عن خلَّاد بن السَّائِب، قال: دَخَلتُ على أُسامة بن زيدٍ، فمَدَحَني في وَجهِي، فقال: إنَّه حَمَلني أن أَمدَحك في وجهِك أَنِّي سَمِعتُ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا مُدح المُؤمنُ. . ." الحديث.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، كما قال العِراقيُّ في "تخريج الإحياء"، وتَبِعَه العَجلُونِيُّ في "كشف الخفاء" (١/ ٩٩).

وقال الهَيثَمِيُّ في "المَجمَع" (٨/ ١١٩)"فيه ابن لَهِيعة، وبقيَّة رجاله وُثِّقُوا"، وهو يُشِير بقوله: "وُثِّقُوا" إلى ضعف التَّوثيق الوارد في صالح بن أبي عَرِيبٍ، فلم يُوثِّقه إلَّا ابن حِبَّان، ولذلك قال ابن القَطَّان: "لا يُعرَفُ له حالٌ".

أما ابن لهيعة فالكلام فيه كَثيرٌ، خُلاصَتُه أنَّ مَن سَمِع قبل احتراق،ص:297.

كُتُبه، فروايته أمثلُ من رواية من سَمِع منه بعد احتراق كُتُبه، وعَمْرُو بن خالدٍ الحَرَّانِيُّ ليس من قُدَماء أصحابه.

ثُمَّ هذا المتنُ يُخالِف بعض الأحاديث الصَّحيحة، والتي نَهَى فيها رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن مدح الرَّجل أخاه في وجهه.

فمن ذلك ما:

أخرَجَه البُخاريُّ في "صحيحه" (٥/ ٢٠٢، و ١٠/ ٤٧٦)، وفي "الأدب المُفرَد" (٣٣٣)، ومُسلِمٌ (٣٠٠/ ٣٥ - ٣٦)، وأبو عَوَانة في "المُستخرَج" - كما في "إتحاف المَهَرة" (١٣/ ٥٦٨) -، وأبو داوُد (٤٨٠٥)، والنَّسَائِيُّ في "اليوم واللَّيلة" (٢٣٩)، وابن ماجَهْ (٣٧٤٤)، وأحمد (٥/ ٤١، ٤٦، ٤٧) وغيرُهم من طريق عبد الرَّحمن بن أبي بكْرَةَ، عن أبيه، أنَّهُم ذَكَرُوا رجُلًا عند النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال رجُلٌ: "يا رسُول الله! ما مِن رجُلٍ بعد رسُول الله أفضلُ منه في كذا"، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ويحك! قَطَعتَ عُنق أخيك"، مِرارًا يقول ذلك، قال رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن كان أحدُكم مادحًا أخاه لا محالةَ، فليَقُل: أحسَبُ فُلانًا - إِن كان يَرَى أنَّه كذلك -، ولا أُزَكِّي على الله أحدًا، وحسِيبُه الله، أحسَبُه كذا وكذا".

وأخرَجَهُ البُخاريُّ (٢٦٦٣، ٦٠٦٠)، وفي "الأَدَب المُفرَد" (٣٣٤)، ومُسلِمٌ (٣٠٠١)، وأبو عَوَانة - كما في "الإتحاف" (١٠/ ٨٦)، وأحمدُ (٤/ ٤١٢) من حديث أبي مُوسَى الأشعريِّ، قال: سَمِع النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجُلًا يُثنِي على رجلٍ، ويُطرِيه في المِدْحَةِ، فقال: "لقد أهلَكتُم - أو: قطعتم - ظَهرَ الرَّجل".ص:298.

وأخرَجَ مُسلِمٌ (٣٠٠٢/ ٦٩)، والبُخاريُّ في "الأدب المُفرَد" (٣٣٩)، وأبو داوُد (٤٨٠٤)، والتِّرمِذِيُّ (٢٣٩٣)، وابن ماجَهْ (٣٧٤٢)، وأحمدُ (٦/ ٥)، والطَّيَالِسِيُّ (١١٥٨، ١١٥٩)، وابن أبي الدُّنيا في "الصَّمت" (٥٩٤) وغيرُهم من حديث المِقداد بن الأَسوَد، قال: "أَمَرَنا رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رَأَينَا المدَّاحين أن نَحثُو في وُجُوهِهم التُّراب".

وقد رَوَى هذا المَعنَى جماعةٌ من الصَّحابة، مِنهُم ابن عُمَر، وأبو هُريرَة، وأنَسٌ، وعبد الرَّحمن بن أزهرَ، ومِحجَنٌ الأَدرَعُ - رضي الله عنهم -.

ولو صحَّ هذا الحديثُ، لكان محمُولًا على من يُوثَق به، وأنَّ المَدحَ لا يُضِيرُه ولا يَغُرُّه، بل يُرجَى خيرُه ببيان فضله وتقدُّمه، كما حدث ذلك من مدح النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكرٍ، وعُمَر، وعُثمان، وعليٍّ وغيرِهِم - رضي الله عنهم -.

والله المُوفِّق، لا ربَّ سواه.

كتاب إسعاف اللبيث،ج:3،ص:299.

Loading...