سُئلتُ عن حديث:"إِنَّ أنهارَ الجنَّة تَجرِي في غير أُخدُودٍ".
• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ مرفوعًا.
أخرَجَه ابن مَردَوَيهِ في "تفسيره" - كما في ابن كَثيرٍ (٧/ ٢٩٧) -، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(٦/ ٢٠٥)، وفي "صِفة الجنَّة"(٣١٦) من طريق مَهديِّ بن حكيمٍ، ثنا يزيد بن هارُون، أنبأنا الجُرَيرِيُّ، عن مُعاوية بن قُرَّة، عن أنَسٍ مرفوعًا:"لعلَّكُم تَظُنُّون أنَّ أنهار الجنَّة أُخدودٌ؟! لا والله! إنَّها لسائمةٌ على وجه الأَرض، حافَّتاها خيامُ اللُّؤلُؤ، وطينُها المِسك الأذفرُ"، قُلتُ:"يا رسُول الله! وما الأذفرُ؟ "، قال:"الذي لا خَلطَ فيه".
وعزاه السِّيُوطِيُّ في "الدُّرِّ المنثور"(١/ ٣٨) للضِّياء المقدسيِّ في "صِفة الجَنَّة".
• قلتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ والجُرَيرِيُّ اسمه سعيد بن إياسٍ الجُرَيرِيُّ، كان اختلطَ، وسماعُ يزيد بن هارُون مِنه في الاختلاط.
وقد اضطرَب فيه: فرواه يعقوبُ بن عُبيدٍ، وبِشر بن مُعاذٍ، كلاهُما عن يزيد بن هارُون، بهذا الإسناد موقُوفًا.
أخرَجَهُ ابن أبي الدُّنيا (٦٩)، وأبو نُعيمٍ (٣١٦)، كلاهما في "صفة الجَنَّة".ص:307.
ورَجَّح المُنذِرِيُّ في "التَّرغيب"(٤/ ٥١٨) وقفَه، وقال:"هو أشبه بالصَّواب".
فالجوابُ: إنَّ طريقةَ العُلماء في مِثل هذا أنْ يأخُذُوا بالأقلِّ؛ لأنَّه المُوافِق للاحتياط. واللهُ أعلَمُ.
وللمَوقُوف شاهدٌ عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - ..
أخرَجَه ابنُ أبي الدُّنيا في "صفة الجَنَّة"(١٤٠، ١٦٢) قال: حدَّثَنا سُويدُ بنُ سعيدٍ، ثنا عبدُ رَبِّه بنُ بارِقٍ الحَنَفِيُّ، حدَّثَني خالي زُمَيلُ بنُ سِماكٍ، أنَّه سَمِعَ أباهُ يُحدِّثُ، أنَّهُ لَقِيَ عبدَ الله بنَ عبَّاسٍ بالمدينة بعدما كُفَّ بَصَرُهُ، فقال:"يا ابنَ عبَّاسٍ! ما أرضُ الجَنَّة؟ "، قال:"مَرمَرَةٌ بيضاءُ مِن فِضَّةٍ، كأنَّها مرآةٌ"، قلتُ:"ما نُورُها؟ "، قال:"ما رأيتَ السَّاعة التي يكُون فيها طلوعُ الشَّمس؟ فذلك نورُها، إلَّا أنَّها ليس فيها شمسٌ ولا زمهريرُ"، - قال: - قلتُ:"فما أنهارُها؟ أفي أخدودُ؟ "، قال:"لا، لكنَّها تَجرِي في أرض الجَنَّة، مُستَكِفَّةً، لا تفيض ها هنا ولا ها هنا، قال الله لها: كُونِي. فكانت"، قلتُ:"فما حُلَل الجَنَّة؟ "، قال:"فيها شجرةٌ، فيها ثمرٌ كأنَّه الرُّمَّان، فإذا أراد وليُّ الله منها كسوةً، انحدَرَت إليه من غُصنِها، فانفَلَقَت له عن سَبعِين حُلَّة، ألوانًا بعد ألوان، ثُمَّ تَنطَبِق، فتَرجِع كما كانت".
وتابَعَهُ زيادُ بن يحيَى، قال: ثنا عبدُ ربِّه بنُ بارِقٍ بهذا الإسناد.ص:309.
أخرَجَهُ أبو نُعيمٍ في "صفة الجَنَّة"(٣١٧) قال: حدَّثَنا عبدُ الله بنُ محمَّد بن جعفرٍ، ثنا مُحمَّدُ بنُ العبَّاس، ثنا زيادُ بنُ يحيَى بهذا.
وابنُ بارقٍ لا بأس به. وقد تكلَّم فيه ابنُ مَعينٍ وأبُو زُرعة.
وزُمَيلٌ هذا ترجَمَه ابنُ أبي حاتمٍ (١/ ٢/ ٦٢٠)، ولم يَذكُر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وسماكُ بنُ حربٍ كان تغيَّر في آخر حياتِهِ.
وحسَّن إسناده المُنذِرِيُّ في "التَّرغيب"(٤/ ٥١٨)! وفيه نَظَرٌ. والله أعلمُ.
ويُعَضِّد هذا الموقُوفَ بعضُ الشَّواهد المقطوعة ..
منها ما: أخرَجَهُ ابن أبي شَيبَة (١٣/ ٩٧)، وهَنَّاد بن السَّرِيِّ في "الزُّهد"(٩٥، ١٠٣)، والمَرْوَزِيُّ (١٤٨٩)، وابنُ صاعدٍ (١٤٩٠)، كلاهما في "الزَّوائد على الزُّهد" لابن المُبارَك، وابنُ جَرِيرٍ في "تفسيره"(٥٠٩، ٥١٠، ٥١١)، وابن قُتَيبة في "غريب الحديث"(٢/ ٥٢٢)، والبَيهَقِيُّ في "البَعث"(٢٩٢)، وأبو نُعيمٍ في "صفة الجَنَّة"(٣١٥) من طُرُقٍ عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي عُبيدةَ، عن مسرُوقٍ، قال:"أنهار الجَنَّة تَجرِي في غير أُخدُودٍ، وثَمَرُها كالقِلال، كُلَّما أَخَذَ ثمرةً عادت مكانَها أُخرَى، والعُنقودُ اثنا عشر ذراعًا"، قال عَمْرُو بن مُرَّة: فقلتُ لأبي عُبيدة: من حدَّثك؟. فغَضِب، وقال: مسروقٌ!
وسَنَده صحيحٌ.
وأخرَجَ أبو نعيمٍ (٣١٨) من طريق إبراهيم بن مُحمَّد بن الحَسَن، ثنا عبد الجَبَّار بن العلاء، ثنا سُفيان بن عُيَينة، عن عَمْرو بن دِينَار، قال: سَمِعتُ عُبيد بن عُمير، يقول:"أرضُ الجَنَّة مُستَوِيةٌ، لا تُكْلَمُ - يعني: لا تُشقُّ، ولا تُخَدُّ - أنهارُها".
وسندُهُ جيِّدٌ، وإبراهيم بن مُحمَّدٍ ترجمه أبو نُعيمٍ في "أخبار أصبهان"(١/ ١٨٩)، وأثنَى عليه.