"إِنَّما العلم، بالتَّعلُّم، وإنما الحِلم بالتَّحلُّم، من يتحرَّ الخيرَ يُعطَه، ومن يتوقَّ الشَّرَّ يُوقَه، ثلاثٌ من كُنَّ فيه لم يَسكُن الدَّرجات العُلا، ولا أقول لكم الجَنَّة: من تكهَّن، أو استَقْسَم، أو رَدَّه من سفرٍ تطيُّرٌ".

"إِنَّما العلم، بالتَّعلُّم، وإنما الحِلم بالتَّحلُّم، من يتحرَّ الخيرَ يُعطَه، ومن يتوقَّ الشَّرَّ يُوقَه، ثلاثٌ من كُنَّ فيه لم يَسكُن الدَّرجات العُلا، ولا أقول لكم الجَنَّة: من تكهَّن، أو استَقْسَم، أو رَدَّه من سفرٍ تطيُّرٌ".

اللفظ / العبارة' "إِنَّما العلم، بالتَّعلُّم، وإنما الحِلم بالتَّحلُّم، من يتحرَّ الخيرَ يُعطَه، ومن يتوقَّ الشَّرَّ يُوقَه، ثلاثٌ من كُنَّ فيه لم يَسكُن الدَّرجات العُلا، ولا أقول لكم الجَنَّة: من تكهَّن، أو استَقْسَم، أو رَدَّه من سفرٍ تطيُّرٌ".
متعلق اللفظ مسائل حديثية
الحكم الشرعي ضعيف
القسم المناهي العملية
Content

- سُئلتُ عن حديث: "إِنَّما العلم، بالتَّعلُّم، وإنما الحِلم بالتَّحلُّم، من يتحرَّ الخيرَ يُعطَه، ومن يتوقَّ الشَّرَّ يُوقَه، ثلاثٌ من كُنَّ فيه لم يَسكُن الدَّرجات العُلا، ولا أقول لكم الجَنَّة: من تكهَّن، أو استَقْسَم، أو رَدَّه من سفرٍ تطيُّرٌ".

• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.

وقد وَرَد من حديث أبي هُريرَة، وأبي الدَّرداء، ومُعاوية بن أبي سُفيان - رضي الله عنهم -.

* أوَّلًا: حديث أبي هُريرَة - رضي الله عنه -.

أخرَجَهُ الخطيب في "تاريخه" (٩/ ١٢٧) من طريق سعد بن زُنبُورَ، حدَّثَنا إسماعيل بن مُجالِدٍ، عن عبد المَلِك بن عُمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي هُريرَة مرفُوعًا فذَكَرَه دون قوله: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه … الخ".

وإسماعيلُ بنُ مُجالِدٍ مُختلَفٌ فيه، قال أحمد والبُخاريُّ: "صدوقٌ"، ووثَّقَهُ ابن مَعِينٍ في روايةٍ، وضعَّفه النَّسَائِيُّ والعُقيليُّ، وقال الدَّارَقُطنِيُّ: "لا شكَّ أنه ضعيفٌ"، وذَكَرَه ابنُ حِبَّان في "الثِّقات" وقال: "يُخطِئ".

وقد خُولِف في إسناد هذا الحديث ..

خالفه رقبةُ بنُ مَصقَلَة، فرواه عن عبد المَلِك بن عُمير، عن رجاء بن حَيْوَةَ، عن أبي الدَّرداء مرفُوعًا فذَكَرَه بتمامه.

أخرَجَهُ الدَّارَقُطنِيُّ في "الأفراد" (ق ٢٦٦/ ١) من طريق يحيى بن داوُد الواسطيِّ، ثنا إبراهيم بن يزيد بن مَرْدَانْبَةَ، عن رقبة بن مَصْقَلَةَ بهذا.ص:327.

وهذا لا يَثبُت عن رقبة بن مَصْقَلَةَ؛ وابن مَرْدَانْبَةَ قال البُخاريُّ في "التَّاريخ الأوسط""لا يَحتَجُّون بحديثه"، وقال أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ: "يُكتَب حديثُه، ولا يُحتجُّ به"، وقال الأَزدِيُّ: "عنده مناكيرُ".

ورواه سُفيان الثَّوْريُّ، عن عبد المَلِك بن عُمير، عن رجاء بن حَيوَة، عن أبي الدَّرداء مرفُوعًا بتمامه.

أخرَجَه الطَّبَرانيُّ في "الأوسط" (٢٦٦٣)، والدَّارَقُطنِيُّ في "العِلل" (٦/ ٢١٩ - ٢٢٠)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية" (٥/ ١٧٤)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (ج ٦/ ق ٢٣١)، والعسكريُّ في "الأمثال" - كما في "المقاصد الحَسَنة" (ص ١٠٧) للسَّخَاوِيِّ -، وابن شاهين في "التَّرغيب" (٢٤٢)، والخطيب في "تاريخه" (٥/ ٢٠١) من طريق مُحمَّد بن الحَسَن الهَمْدَانِيِّ، قال: ثنا سُفيان الثَّورِيُّ بهذا.

قال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديث عن سفيان إلَّا مُحمَّد بن الحَسَن".

وقال أبو نُعيمٍ: "غريبٌ من حديث الثَّوْريِّ، عن عبد المَلِك، تفرَّد به: مُحمَّد بن الحَسَن".

• قلتُ: وإسناده ساقطٌ؛ ومُحمَّد بن الحَسَن هو ابنُ أبي يزيد الهَمْدَانِيُّ؛ اتَّهَمه يحيى بن مَعِينٍ بالكَذِب، وقال النَّسَائِيُّ: "متروكٌ"، وقال الذَّهَبيُّ في "تلخيص العِلل المتناهية" (٧٠٦)"واهٍ".

والحديث مع ضعفه مُنقَطِعٌ.

وقد رواه ابن وهبٍ، قال: ثنا سفيان الثَّوريُّ بهذا الإسناد موقُوفًا.

أخرَجَه ابنُ عبد البَرِّ في "جامع العلم" (٩٠٣).ص:328.

وهذا هو المحفوظُ في رواية الثَّوْريِّ.

ويُؤيِّدُه أن جماعةً من الثِّقات رَوَوْا هذا الحديث عن عبد المَلِك بن عُمير، عن رجاء بن حَيْوة، عن أبي الدَّرداء موقُوفًا.

فأخرَجَهُ هناد بن السَّرِيِّ في "كتاب الزُّهد" (١٢٩٤) عن وكيع بن الجرَّاح ..

وأبو خَيثَمة في "كِتاب العلم" (١١٤)، وابن عبد البَرِّ في "الجامع" (٦١٧) عن جرير بن عبد الحميد ..

وابنُ حِبانُ في "روضة العُقلاء" (ص ٢١٠) عن أبي عَوَانة وضَّاحٍ اليَشكُرِيِّ ..

والبَيهَقِيُّ في "المَدخَل" (٣٨٥) عن عُبيد الله بن عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، كُلُّهم عن عبد الملك بن عُميرٍ بهذا الإسناد موقُوفًا.

ورَوَى ابن أبي شَيبَة في "المُصنَّف" (٩/ ٤٣) عن شريكٍ النَّخْعِيِّ، عن عبد المَلِك بن عُميرٍ بسنده: آخِرَه: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه. . .".

قال الدَّارَقُطنِيُّ في "العِلل" (٦/ ٢١٩)"الموقوف هو المحفوظ"، وهذا لا يَعنِي أنَّه صحيحٌ، كما فَهِم من صحَّح إسناد الموقوف، فإنَّه لا يصحُّ؛ لأنَّ رواية رجاء بن حَيْوَةَ، عن أبي الدَّرداء، مُنقَطِعةٌ، كما صرَّح الذَّهَبِيُّ بذلك، وهذا يُسمَّى عند عُلماء الحديث بـ "التَّرجيح النَّظَريِّ"، وهو لا يُفيد الحديثَ قوَّةً، ومُرادُهم أنَّه إذا تعارض الرَّفعُ والوقفُ، فلَأَن يكون موقُوفًا أشبهُ، لا أنَّه تصحيحٌ للموقوف.

وقد ألمحَ البُخاريُّ إلى الحديث المرفُوع ..

فعلَّق الفقرةَ الأولى منه: "إِنَّما العلم بالتَّعَلُّم" بصيغة الجزم، في "كتاب العِلم" من "صحيحه" (١/ ١٦٠)، فقال: "وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: من يُرِد اللهُ به خيرًا يُفَقِّههُ في الدِّين، وإنَّما العِلمُ بالتَّعَلُّم".

فعلَّق الحافظُ في "الفتح(١/ ١٦١) قائلًا: "قولُه: "وإنَّما العلم بالتَّعلُّم"، وهو حديثٌ مرفوعٌ، أورده ابن أبي عاصمٍ، والطَّبَرانيُّ، من حديث مُعاوية، بلفظ: "يا أيُّها النَّاس! تعلَّمُوا، إنَّما العلم بالتَّعلُّم، والفقه بالتَّفقُّه، ومن يُرِد الله به خيرًا يُفَقِّهه في الدِّين"، إسنادُه حَسَنٌ، إلَّا أن فيه مُبهَمًا، اعتَضَد بمجيئه من وجهٍ آخر" انتهَى.

* ثانيًا: حديثُ أبي الدَّرداء - رضي الله عنه -:

مرَّ الكلامُ عنه في حديث أبي هُريرة.

* ثالثًا: حديثُ مُعاوية - رضي الله عنه -:

أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الكبير(ج ١٩/ رقم ٩٢٩) قال: حدَّثَنا أحمد بن المُعلَّى الدِّمَشقِيُّ، ثنا هشام بن عمَّارٍ، ثنا صدقة بن خالدٍ، ثنا عُتبة بن أبي حَكِيمٍ، عمَّن حدَّثَه، عن مُعاوية مرفُوعًا: "يا أيُّها النَّاس. . ."، وساقه كما ذَكَر الحافظُ قريبًا.

وإسنادُه ظاهر الضَّعف؛ وهشام بن عمَّارٍ ساء حفظُه، لاسيما في آخر عُمره. وعُتبة بن أبي حَكيمٍ مخُتلَفٌ فيه. ومن حدَّثَهُ مجهولٌ.

وذكر البدرُ العَيْنِيُّ في "عُمدة القاري(٢/ ٤٣)، أنَّ الخطيب البَغداديَّ رواه في "الفقيه والمتفقِّه"، عن مكحُولٍ، عن مُعاوية.

ويُشبهُ أن يكون المُبهَمُ في إسناد الطَّبَرانيِّ هو مكحولٌ الشَّامِيُّ، فإن عُتبة بن أبي حَكِيمٍ يَروِي عنه.

ومكحولٌ لم يَسمَع من مُعاوِية، كما صرَّح بذلك أبو حاتمٍ الرَّازِيُّ،ص:330.

على ما في "المراسيل" (ص ٢١٢)، ونَقَل ابن أبي حاتمٍ في "المراسيل" (ص ٢١١) عن أبيه، قال: "سألتُ أبا مُسهِرٍ: هل سَمِع مكحولٌ من أحَدٍ من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ما صحَّ عندنا إلَّا أنَس بن مالكٍ".

كذا قال في هذا المَوضِعَ، وقد سألَهُ أبُو حاتِمٍ - كما في "الجرح والتَّعديل" (٤/ ١/ ٤٠٨) - فقال له: "هل سمِعَ مكحُولٌ من أحدٍ من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: سمع من أنسٍ. قلت له: وسَمِعَ من أبي هندِ الدَّارِيِّ؟ فقال: مَن رواه؟ فقلتُ: حَيْوَةُ بنُ شُريحٍ، عن أبي صَخرٍ، عن مكحُولٍ، سَمِعَ أبا هندٍ الدَّاريَّ، يقول: سمعتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. فكأنَّه لم يلتفت إلى ذلك. فقلتُ: فَوَاثِلةُ بنُ الأسْقَعِ؟ فقال: مَن رواه؟ فقلتُ: حدَّثَنا أبُو صالحٍ كاتبُ اللَّيث، قال: حدَّثَنا مُعاوِيةُ بنُ صالحٍ، عن العَلاء بنِ الحارث، عن مكحُولٍ، قال: دخلتُ أنا وأبُو الأزهر على واثِلَةَ بنِ الأسقع. فكأنَّهُ أومأ برأسِهِ، كأنَّه قَبِلَ ذلك".

ونقلهُ عنه ابنُ عساكر في "تاريخه" (٦٣/ ١٥٠).

• قلتُ: لكنَّ أبا مُسهِرٍ أنكَرَ سَمَاعَهُ من واثلةَ إنكارًا صريحًا كما في "مراسيل ابنِ أبي حاتمٍ" (ص: ٢١١).

وقال التِّرمِذِيُّ: "سَمِعَ: واثلَةَ، وأنَسًا، وأبا هِندٍ الدَّاريَّ. ويُقال: لم يسمَع من أحدٍ من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - غيرهم".

وكذلك نَقَله ابنُ عساكر في "تاريخه" (٦٣/ ١٥١) عن ابنِ مَعينٍ، وزاد: "وعَمْرَو بنَ أبي خُزاعةَ".

وقال صالحٌ جَزَرَةُ - كما في "تاريخ دمشق" (٦٣/ ١٥١) -: "سمع أبا أُمامةَ"، وأنكَرَهُ يحيَى بنُ مَعينٍ وغيرُهُ.

وبالجُملة فلا وجهَ لتحسين هذا الإسناد، كما فعل الحافظُ - رحمه الله -.

وقد رأيتَ الوُجوه الأُخرَى التي أشار إليها الحافظُ، وهي ضعيفةٌ جدًّا، لا تصلح للتَّقوية، والبُخاريُّ يَذكُر في مُعلَّقاته الحديث الصَّحيح، والحَسَن، والضَّعيف، كما يَعرِفُه مَن له عنايةٌ بصحِيحِه.

كتاب إسعاف اللبيث،ج:3،ص:332.

Loading...