"إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ، فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا، فلا تَعتَدُوها، وحرَّم أشياءَ، فلا تَنتَهِكُوهَا،
اللفظ / العبارة'
"إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ، فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا، فلا تَعتَدُوها، وحرَّم أشياءَ، فلا تَنتَهِكُوهَا،
متعلق اللفظ
مسائل حديثية
الحكم الشرعي
ضعيف
القسم
المناهي العملية
Content
سُئلتُ عن حديث:"إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ، فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا، فلا تَعتَدُوها، وحرَّم أشياءَ، فلا تَنتَهِكُوهَا، وسَكَت عن أشياء رحمةً بِكُم من غير نِسيانٍ، فلا تَبحَثُوا عنها".
• قلتُ: هذا حديثٌ ضعيفٌ.
أخرَجَه الدَّارَقُطنِيُّ (٤/ ١٨٣ - ١٨٤)، والحاكمُ (٤/ ١١٥)، والطَّبَرانيُّ في "الكبير"(ج ٢٢/ رقم ٥٨٩، ٢٢١، ٢٢٣)، وابن بَطَّة في "الإبانة"(٤٠٠)، والبَيهَقِيُّ (١٠/ ١٢ - ١٣)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(٩/ ١٧)، والخطيب في "الفقيه والمُتفقِّه"(٦٣٠) من طُرُقٍ عن داوُد بن أبي هندٍ، عن مكحولٍ، عن أبي ثَعلبَة الخُشَنِيِّ مرفُوعًا فذَكَرَه.
وهذا الحديثُ حسَّنه النَّوَوِيُّ في "الأربعين"(ص ٤٠)، وفي "رياض الصَّالحين"(ص ٥١٤)، وفي "الأذكار"(ص ٣٥٣)، وسَبَقَه إلى هذا الحُكم أبو بكرٍ السَّمعَانِيُّ في "الأمالي" - كما ذَكَرَه ابن رَجبٍ في "جامع العُلوم"(ص ٢٤٢) -، وصحَّحهُ ابنُ كثيرٍ في "تفسيره"(٣/ ٢٠٢ - طبع الشَّعب). وذكر شيخُنا الألبانيُّ - رحمه الله - في "غاية المرام"(ص ١٨) أنَّ أبا الفُتُوحِ الطَّائِيَّ خرَّجه في "الأربعين" وقال: "حديثٌ كبيرٌ حَسَنٌ، تفرَّد به داوُدُ عن مكحولٍ".
في "أماليه". وقولُ الذَّهبيِّ: إنّ راويه مكحُولًا لم يُدرِك أبا ثَعلَبَةَ، تَبِعَ فيه إنكار أبي مُسهِرٍ لسماعِهِ منه، ووافقه أبُو زُرعة وأبُو حاتِمٍ، فقالا: دخل عليه، ولم يسمع منه. لكن خالَفَهُم ابنُ مَعينٍ، فقال: إنَّه سمع منه. والقاعِدةُ الأُصوليَّة أنَّ الإثبات مُقدَّمٌ على النَّفي، تُرَجِّحُ ما قالَهُ ابنُ مَعِينٍ، فلذا اعتَمَدَه النَّوَوِيُّ في "أربعينه"، وغيرُهُ. ويُؤيِّدُهُ أنَّهُ مُعاصِرٌ له بالسِّنِّ والبَلَدِ، فاحتِمالُ سماعِهِ منه أقربُ من عَدَمِهِ. وكونُهُ مُدلِّسًا لا يُنافِي حُسنَ حديثِهِ ولا صِحَّتَهُ كما هُو مُقرَّرٌ في محِلِّه، ويُحتَمَلُ أنَّ تحسينَ النَّوَوِيِّ له لكونِهِ رُوي من طُرُقٍ بعضُها ضعيفٌ، وبعضُها مُنْقَطِعٌ، فإذا انضمَّ بعضُها إلى بعضٍ قويت، فيكُونُ حَسَنًا لغيره لا لذاته، وإنَّ تصحيحِ ابنِ الصَّلاح أَخَذَهُ من قول البزَّار في روايته: إسنادُها صالحٌ، والحاكِمِ فيها أنَّها صحيحةُ الإسناد" انتهَى.
• قلتُ: كذا قال! وقد نصَّ المِزِّيُّ في ترجمة "أبي ثَعلَبَةَ" أنَّ مكحُولًا لم يسمع منه، وسبقه إلى ذلك أبُو نُعيمٍ الحافظُ، ووافقهُ إبنُ رجبٍ في "جامع العُلوم"، وذكر التِّرمذِيُّ أنَّه لم يسمع إلَّا من ثلاثةٍ من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كما مضى في الحديث (٣٢١). وقولُ الهيتَمِيِّ إنَّ ابنَ مَعينٍ أثبتَ سماعَ مكحُولٍ من أبي ثَعلَبَةَ ما أُراهُ إلَّا وَهَمًا منه، ولم أر أحدًا نَسَب هذا إلى ابنِ مَعينٍ ولا إلى غيره. ولو سلَّمنا بصحَّة نقله، فإنَّ القاعدة الأُصُوليَّة التي ذَكَرَها تصحُّ إذا لم يكن ثمَّةَ مانعٌ. والمانعُ هنا أنَّ مكحُولًا كان يُرسِلُ ويُدلِّسُ، والمُعاصَرَةُ تنفعُ إذا انتَفَى هذان، ولذا قال العَلائِيُّ في "جامع التَّحصيل" (ص ٢٨٥ - ٢٨٦): "روى عن أبي ثَعلَبَةَ حديثَ: إنَّ الله فَرَضَ فرائضَ … وهو مُعاصِرٌ له بالسِّنِّ والبلد فيُحتَمَلُ أن يكُون أرسَلَ كعادته، وهو يُدلِّسُ أيضًا" ا. هـ. فمن قوَّى هذا الإسنادَ فلا شكَّ أنَّه مُخطِئٌ؛ للانقطاع، وهذه عِلَّةٌ لا سبيل إلى جَبرها. وأمَّا ظنُّ الهَيتَمِيِّ أنَّ ابنَ الصَّلاح أخَذَ تصحيح الحديث من قول البزَّار: إسنادُهُ صالحٌ، فإنَّ البزَّار قال هذا في حديث أبي الدَّرداء الذي مرَّ برقم (٢٦٢)، وليس في حديث أبي ثَعلَبَةَ. واللهُ أعلمُ. وتقدَّم في الحديث (٣٢٠) أنَّ مَكحُولًا لم يَسمع مِن أحدٍ من الصَّحابَة، إلَّا أنسَ بنَ مالكٍ، كما قال أبُو مُسهِرٍ.
وذَكَر الدَّارَقُطنِيُّ في "العِلل"(٦/ ٣٢٤) أنَّه اختُلف على مكحولٍ في رفعه ووقفه. فرَفَعَهُ إسحاقُ الأزرقُ، ومُحمَّدُ بن فُضيلٍ، وغيرُهما، عن داوُد. ورواه يزيدُ بن هارُون، وحفصُ بن غِياثٍ، عن داوُد، فوقفاه. ورواية حفصٍ عند البَيهَقِيِّ (١٠/ ١٢).
ورواه قَحْذَمُ بن سُليمان، قال: سمعتُ مكحولًا يقول، ولم يتجاوز به. ورجَّح الدَّارَقُطنِيُّ الطَّريق المرفُوع، وقال:"هو أشهر"، وقد مرَّ بك ما أُعِلَّ به.
وله شاهدٌ من حديث أبي الدَّرداء - رضي الله عنه -، أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(٧٤٦١) قال: حدَّثَنا مُحمَّد بن إبراهيم الوَشَّاءُ .. وأيضًا في "الصَّغير"(١١١١) قال: حدَّثَنا نُوحٌ الأُبُلِّيُّ .. قالا: ثنا أبو الأشعث أحمدُ بن المِقدام، نا أصرمُ بنُ حوشبٍ، نا قُرَّةُ بنُ خالدٍ، عن الضَّحَّاك بن مُزاحِمٍ، عن طاوُوسٍ، قال: سمعتُ أبا الدَّرداء مرفُوعًا فذَكَر مثلَه.
قال الطَّبَرانيُّ:"لم يَروِ هذا الحديث عن قُرَّة بن خالدٍ إلَّا أصرمُ بنُ حوشبٍ، تفرَّد به أبو الأشعث".
وأصرمُ هذا كذَّابٌ وضَّاعٌ.ص:337.
ورواه نَهشلُ الخُرَاسَانِيُّ، عن الضَّحَّاك بن مُزاحِمٍ، أنَّه اجتَمَع هو والحَسَنُ بنُ أبي الحَسَن، ومكحولٌ الشَّامِيُّ، وعَمْرُو بنُ دينارٍ المَكِّيُّ، وطاوُوسٌ اليَمانِيُّ، فاجتَمَعُوا في مَسجِد الخَيْفِ، فارتَفَعت أصواتُهم، وكثُر لغَطُهُم في القَدَر، فقال طاوُوسٌ، وكان فيهم مَرضِيًّا:"أَنصِتُوا، حتَّى أخبِرَكم ما سمعتُ من أبي الدَّرداء - رضي الله عنه -، قال: سمعتُ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "إنَّ الله افترض عليكم فرائضَ … الحديث"، وفي آخِرِه: نقُول ما قال ربُّنا ونبيُّنا، الأُمُورُ بيد الله، مِن عند الله مصدَرُها، وإليه مَرجِعُها، ليس إلى العِبَاد فيها تفويضٌ، ولا مشيئةٌ"، فقامُوا، وهم راضُون بقول طاوُوسٍ.
أخرَجَهُ الدَّارَقُطنِيُّ (٤/ ٢٩٧ - ٢٩٨) من طريق إسحاقَ الأزرقِ، عن أبي عَمْرٍو البَصرِيِّ، عن نهشلَ الخُرَاسَانِيِّ بهذا.
وسَنَدُهُ مِثلُ سابِقه، ساقطٌ؛ ونهشلُ كَذَّبه ابنُ رَاهَوَيهِ، وتَرَكه النَّسَائِيُّ وأبو حاتمٍ، والكلامُ فيه طويلُ الذَّيل.
وللفقرة الثَّالِثَةِ طريقٌ آخرُ عن أبي الدَّرداء، مرَّ برقم (٢٦٢).
وله شاهدٌ مِن حديثٌ سلمان الفَارِسِيِّ، بسَنَدٍ ضعيفٍ، خرَّجتُهُ فيما مضى برقم (٢٦٢)، وفي "تنبيه الهاجد"(١١٦٢).