وَرَدَ من حديث جابرٍ، وابنِ عُمَر، وابن عبَّاسٍ، وأبي هُريرَة، وعائشةَ. ومن مُرسَل طاوُوسٍ، والزُّهرِيِّ.
* أوَّلًا: حديثُ جابرٍ - رضي الله عنه -.
أخرَجَهُ البُخارِيُّ في "خَلق أفعال العِباد"(٢٨٦) مُعلَّقًا بصيغَة التَّمريض. ووصله: ابنُ ماجَهْ (١٣٣٩)، والآجُرِّيُّ في "أخلاق حَمَلة القُرآن"(٨٣)، وفي "فوائده"، وابنُ أبي داوُد في "كتاب الشَّريعة" - كما في "إتحاف السَّادة"(٤/ ٥٢١) - من طُرُقٍ عن عبد الله بن جعفرٍ المَدِينِيِّ، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّعٍ، عن أبي الزُّبَير، عن جابرٍ مرفُوعًا فذَكَره.
قال العِرَاقِيُّ في "تخريج أحاديث الإحياء"(١/ ٢٨٦): "سنَدُهُ ضعيفٌ".
وقال البُوصِيرِيُّ في "الزَّوائد"(٤٣٦/ ١): "هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعف إبراهيمَ بنِ إسماعيل بن مُجَمِّعٍ، وعبدِ الله بن جعفرٍ".
أخرَجَهُ ابنُ حِبَّان في "المجروحين"(١/ ١٥٧) قال: حدَّثَنا أبو بِشرٍ أحمدُ بنُ مُحمَّد بن مُصعَبٍ، قال: ثنا أبي، وعَمِّي، قالا: ثنا أبي، ثنا يحيى بنُ عُثمان، ثنا شُعبةُ، والثَّوْرِيُّ، عن عبد الله بن دينارٍ، عن ابن عُمَر، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئل:"أيُّ النَّاسِ أحسنُ صوتًا؟ "، قال:"مَن إِذَا قرأ رأيتَ أنَّه يَخشَى الله - عز وجل -".
وهذا سَنَدٌ ساقطٌ؛ وأبُو بِشرٍ هذا قال فيه تلميذُهُ ابنُ حِبَّان:"كان ممَّن يَضَعُ المتون للآثار، ويَقلِب الأسانيد للأخبار … ولعله أَقلَب على الثِّقات أكثرَ مِن عشرة آلاف حديثٍ".
لكن له طريقٌ آخرُ عن عبد الله بن دينارٍ ..
أخرَجَهُ البَزَّارُ (ج ٣/ رقم ٢٣٣٦)، والرُّوْيَانِيُّ في "مُسنَده"(ج ٣١/ ق ٢٤١/ ١)، والطَّبَرانيُّ في "الأوسط"(ج ١/ ق ١١٤/ ٢ - ٢/ ٨٤/ ١ - ٢)، وتمَّامٌ الرَّازِيُّ في "الفوائد"(١٣١٩)، وابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(٢/ ٦٩٣)، والخطيبُ في "تاريخه"(٣/ ٢٠٨)، وفي "تلخيص المُتشابه"(١٢٩/ ١) من طريق مُحمَّد بن مَعمرٍ البَحرَانِيِّ، نا حُميدُ بنُ حمَّاد بن أبي الخُوَار، عن مِسعَرٍ، عن عبد الله بن دينارٍ، عن ابن عُمَر، قال: قيل للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أحسنُ صوتًا بالقرآن؟ "، قال:"من إذا سمعتَ قراءَتَهُ رأيتَ أنه يَخشَى الله - عز وجل -".
قال البَزَّارُ: "لم يُتابَع حُميدٌ على روايته هذه، إنَّما يرويه مِسعَرٌ، عن ،ص:352.
عبد الكَريم، عن مُجاهدٍ مُرسَلًا. ومِسعَرٌ لم يُحدِّث عن عبد الله بن دينارٍ بشيءٍ. ولم نَسمَع هذا الحديث إلَّا مِن مُحمَّد بن مَعمَرٍ، أخرَجَه إلينا مِن كتابه".
وقال الطَّبَرانيُّ: "لم يَروِ هذا الحديث عن مِسعَرٍ إلَّا حُميدُ بنُ حمَّادٍ. تفرَّد به مُحمَّدُ بنُ مَعمَرٍ".
وقال ابنُ عَدِيٍّ: "وهذا عن مِسعَرٍ، عن عبد الله بن دينارٍ، عن ابن عُمَر، لم يَروِه إلَّا حُميدُ بنُ حمَّادٍ هذا، وقد رُوِي هذا الحديثُ:"عن مِسعَرٍ، عن عبد الكَريم المُعلِّمِ، عن طاوُوسٍ، قال: سُئِل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -": مُرسَلٌ، ووَصَلَهُ إسماعيلُ بن عَمْرٍو البَجَلِيُّ، عن مِسعَرٍ، عن عبد الكَريم، عن طاوُوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ".
وقال الخطيبُ: "تفرَّد بروايته ابنُ خُوَارٍ، وخالفه إسماعيلُ بنُ عَمْرٍو، عن مِسعَرٍ، عن عبد الكَريم، عن طاوُوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -".
• قلتُ: وحُميدُ بنُ حمَّاد بن أبي الخُوَار - بضمِّ الخاء المُعجَمة، وتخفيف الواو، آخرُه راءٌ - ضعَّفه أبو داوُد، وقال ابنُ عَدِيٍّ: "هو قليلُ الحديث، وبعضُ أحاديثه، على قِلَّتِها، لا يُتابَعُ عليه"، ومن تدبَّر ما أورَدَهُ له ابنُ عَدِيٍّ في "الكامل" عَلِم أنَّه واهٍ.
وخالفه إسماعيلُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ، كما يأتي إن شاء اللهُ.
ورأيتُ له طريقًا آخر عن ابن عُمَر - رضي الله عنهما -.
أخرَجَه الخَليليُّ في "الإرشاد" (٣/ ٩٦٩) قال: حدَّثَني أحمدُ بنُ مُحمَّد بن الحُسَين الحافظُ، حدَّثنا أبو مُحمَّدٍ عِصْمَةُ بنُ محمُودٍ البِيْكَندِيُّ، حدَّثَنا ،ص:353.
إسحاقُ بن أحمَد بن خَلَفٍ البُخارِيُّ، حدَّثَنا إسحاقُ بن حمزة، حدَّثنا عيسى بنُ مُوسى، عن عبد الله بن كَيْسَانَ، عن يَحيَى بنِ يَعمَر، عن ابن عُمَر، قال: سُئل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أحسنُ صوتًا بالقُرآن؟ "، قال:"الذي يَخافُ اللهَ - عز وجل -".
قال الخَلِيليُّ:"لم يَروِهِ إلَّا عبدُ الله بنُ كَيْسانَ، وعنه: عِيسَى غُنْجَارُ".
ثُمَّ رأيتُهُ في "عِلَل الحديث"(١٨٥٠) لابن أبي حاتِمٍ، قال:"سألتُ أبي عن حديثٍ رواه مُحمَّدُ بنُ أميَّة السَّاوِيُّ، عن عِيسَى بن مُوسَى التَّيمِيِّ البُخاريِّ المعروفِ بالغُنْجَارِ، عن عبد الله بن كَيْسانَ، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عُمر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ سُئل: "مَن أحسَنُ النَّاس صوتًا بالقُرآن؟ "، قال: "أخوَفُهُم لله". وقال ابنُ عُمَر: "ولا أعلَمُ إلَّا أنَّ طَلق بن حبيبٍ مِن أخوَفِهِم لله"؟ فسمِعتُ أبي يقولُ: هذا حديثٌ غريبٌ مُنكَرٌ".
فاعتَرَضهُ أبو الفَيضِ الغُماريُّ في "المُداوِي"(١/ ٢٢٦) قائلًا: "لم يُبيِّن عِلَّته، فهو غيرُ مقبُولٍ؛ إذ الحديثُ كما تَرَى له طُرُقٌ متعدِّدةٌ، لا يَجُوزُ أن يكون مَعَهَا غريبًا منكَرًا".
• قلتُ: وهو مِن أغرَب الاعتِراضَاتِ وأسمَجِها؛ وعِلَّتُهُ ظاهِرَةٌ كالشَّمس، ألَا وهي: عبدُ الله بنُ كَيْسَانَ أبو مُجاهِدٍ. قال البُخارِيُّ:"مُنكَرُ الحَدِيث"، وضعَّفه أبو حاتِمٍ الرَّازِيُّ. وقال النَّسائِيُّ والدَّارَقُطنِيُّ:"ليس بالقَوِيِّ"، وقال العُقَيلي:"في حديثه وَهَمٌ كثيرٌ".ص:354.
وقال ابنُ عَدِيٍّ:"ولعبد الله بن كَيْسَانَ، عن عِكرِمة، عن ابن عبَّاسٍ، أحادِيثُ غيرُ ما أَمليتُ غيرُ محفُظَةٍ. وعَن ثابتٍ، عن أنسٍ كذلك".
وقد صرَّح الخَلِيلِيُّ أنَّه تفرَّد به، فكيف يكُونُ حديثُ مَن هذا وَصفُهُ؟ وتَسَاهَل الحافِظُ في أمرِهِ فقال في "تقريبِهِ": "صَدُوقٌ يُخطِئُ كثيرًا" وكان يَنبَغِي أن يَجزم بضعفِهِ.
ولا قِيمَةَ لتَوثيق ابن حِبَّان إيَّاه. والله أعلَم.
* ثالثًا: حديثُ ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -.
فيرويه إسماعيلُ بنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ، عن مِسعَرٍ، عن عبد الكَريم، عن طاوُوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ، قال: سُئل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أَحسَنُ النَّاس قراءةً؟ "، قال:"مَن إِذَا قرأ رأيتَ أنَّه يَخشَى الله - عز وجل -".
أخرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ في "الكامل"(٢/ ٦٩٣)، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(ج ٥/ رقم ١٩٥٨)، وأبو نُعيمٍ في "الحِلية"(٤/ ١٩)، وفي "أخبار أصبهان"(٢/ ٩٠)، وابنُ مَرْدَوَيهِ في "أحادِيث أبي الشَّيخ"(٥)، والخَطيبُ في "المُتَّفِق والمُفتَرِق"(٢٠٢).
قال أبو نُعيمٍ:"غريبٌ من حديث مِسعَرٍ، لم يَروِه عنه مرفُوعًا موصُولًا إلا إسماعيلُ" ا. هـ.
وإسماعيلُ هذا مُنكَر الحديث، لذلك قال ابنُ عَدِيٍّ:"والرِّوايتان جميعًا غيرُ محفوظتين"، يعني حديث ابن أبي الخُوَار، وإسماعيل بن عَمْرٍو، كليهما عن مِسعَرٍ.
أُسامة، فرَوَوْه عن مِسعَرٍ، عن عبد الكَريم، عن طاوُوسٍ، قال: سُئل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن أحسن النَّاس قراءةً … الحديث.
أخرَجَهُ الدَّارِمِيُّ (٢/ ٣٣٨)، وابنُ أبي شيبة (٣/ ٥٢٢، و ١٠/ ٤٦٤ - ٤٦٥)، وابنُ نَصرٍ في "كتاب الصَّلاة" - كما في "إتحاف السَّادة"(٤/ ٥٢١) -، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(ج ٥/ رقم ١٩٥٩).
قال ابنُ عَدِيٍّ:"الصَّوابُ مُرسَلٌ".
وقال الزَّبِيدِيُّ في "الإتحاف": "هذا مُرسَلٌ حَسَنٌ السَّنَد" كذا!!
وعبدُ الكَريم هو ابنُ أبي المُخَارِق، وهو ضعيفٌ، ومع ضعفه، فإنَّ الإرسالَ هو الصَّوابُ قطعًا.
وقد سُئل الدَّارَقُطنِيُّ - كما في "العِلل"(٢/ ٣٨/ ١) -، عن هذا الحديث، فقال:"المحفوظُ: عن مِسعَرٍ، عن عبد الكَريم، عن طاوُوسٍ: مُرسَلٌ".
وممَّا يُؤيِّد هذا الحُكمَ، أنَّ سُفيانَ بن عُيَينة رَوَى، عن عبد الكَريم، قال: قال لي طاووسٌ وأنا أَطُوفُ معه: "والله! ما سمِعتُ رجُلًا أحسنَ قراءةً مِن طلق بن حبيبٍ"، ورَفَعَ طاووسٌ يديه إلى السَّماء، وسُئل:"أيُّ النَّاس أحسنُ قراءةً؟ "، قال:"مَن إذا سَمِعتَه يقرأُ رأيتَ أنَّه يَخشَى الله. - قال: - وكان طَلْقٌ كذلك".ص:355.
أُسامة، فرَوَوْه عن مِسعَرٍ، عن عبد الكَريم، عن طاوُوسٍ، قال: سُئل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن أحسن النَّاس قراءةً … الحديث.
أخرَجَهُ الدَّارِمِيُّ (٢/ ٣٣٨)، وابنُ أبي شيبة (٣/ ٥٢٢، و ١٠/ ٤٦٤ - ٤٦٥)، وابنُ نَصرٍ في "كتاب الصَّلاة" - كما في "إتحاف السَّادة"(٤/ ٥٢١) -، والبَيهَقِيُّ في "الشُّعَب"(ج ٥/ رقم ١٩٥٩).
قال ابنُ عَدِيٍّ:"الصَّوابُ مُرسَلٌ".
وقال الزَّبِيدِيُّ في "الإتحاف": "هذا مُرسَلٌ حَسَنٌ السَّنَد" كذا!!
وعبدُ الكَريم هو ابنُ أبي المُخَارِق، وهو ضعيفٌ، ومع ضعفه، فإنَّ الإرسالَ هو الصَّوابُ قطعًا.
وقد سُئل الدَّارَقُطنِيُّ - كما في "العِلل"(٢/ ٣٨/ ١) -، عن هذا الحديث، فقال:"المحفوظُ: عن مِسعَرٍ، عن عبد الكَريم، عن طاوُوسٍ: مُرسَلٌ".
وممَّا يُؤيِّد هذا الحُكمَ، أنَّ سُفيانَ بن عُيَينة رَوَى، عن عبد الكَريم، قال: قال لي طاووسٌ وأنا أَطُوفُ معه: "والله! ما سمِعتُ رجُلًا أحسنَ قراءةً مِن طلق بن حبيبٍ"، ورَفَعَ طاووسٌ يديه إلى السَّماء، وسُئل:"أيُّ النَّاس أحسنُ قراءةً؟ "، قال:"مَن إذا سَمِعتَه يقرأُ رأيتَ أنَّه يَخشَى الله. - قال: - وكان طَلْقٌ كذلك".ص:355.