أنَّ صحابيًّا أَذنَب ذنبًا، فهَرَب في الجبال بسببه، وأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرسَل في طَلَبِه، وأخبَرَه أنَّ الله غَفَر له

أنَّ صحابيًّا أَذنَب ذنبًا، فهَرَب في الجبال بسببه، وأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرسَل في طَلَبِه، وأخبَرَه أنَّ الله غَفَر له

اللفظ / العبارة' أنَّ صحابيًّا أَذنَب ذنبًا، فهَرَب في الجبال بسببه، وأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرسَل في طَلَبِه، وأخبَرَه أنَّ الله غَفَر له
متعلق اللفظ مسائل حديثية
الحكم الشرعي باطل لا أصل له
القسم المناهي العملية
Content

 سُئلتُ عن حديث: أنَّ صحابيًّا أَذنَب ذنبًا، فهَرَب في الجبال بسببه، وأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرسَل في طَلَبِه، وأخبَرَه أنَّ الله غَفَر له، ولمَّا مات هذا الصَّحابيُّ لم يَستَطِع النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُشَيِّعه من كثرة مَن حَضَره من الملائكة.

• قلتُ: بحثتُ عن هذه الحِكاية حتَّى ظفرتُ بها، وهي حكايةٌ باطلةٌ، لا يَشُكُّ حديثيٌّ مُبتدِئٌّ في بُطلانها.

فأخرَجَ أبو نُعيمٍ في "معرفة الصَّحابة" (٣/ ٢٧٦ - ٢٧٩)، وأبو عَمْرٍو الدَّرَّاجُ عُثمانُ بنُ عُمَر في "جزءٍ من حديثه" (ق ١٧٥/ ٢ - ١٧٦/ ١ - مجموع ٤٥)، وابنُ شاهين، وابنُ مَندَهْ في "الصَّحابة" - كما في "الإصابة" (١/ ٤٠٥) - من طريق مَنصُور بن عمَّارٍ، عن المُنكدِر بن مُحمَّد بن المُنكدِر، عن أبيه، عن جابرٍ، أنَّ فتًى من الأنصار، يُقال له ثعلبةُ بنُ عبد الرَّحمن، وكان يَخدُم النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه في حاجةٍ، فمرَّ بباب رَجُلٍ من الأنصار، فرأى امرأةَ الأنصاريِّ تغتَسلُ، فكرَّر إليها النَّظرَ، وخاف أن يَنزِل الوحيُ على رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ هاربًا على وَجهِه، فأتى جِبالًا بين مكَّةَ والمدينةِ، فوَلَجَها، ففقده رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَربَعين يومًا - وهي الأيَّامُ التي قالوا: وَدَّعَهُ ربُّه وقلاه -، ثُمَّ إنَّ جبريل نَزَل على رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا مُحمَّدُ! إنَّ ربَّك يَقرَأُ عليك السَّلامَ،ص:361.

ويقول لك: إنَّ الهاربَ من أُمَّتك، بين هذه الجِبال، يتعوَّذُ بي من ناري"، فقال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عُمَرُ! ويا سَلمَانُ! انطلِقا، فأتياني بثعلبةَ بنِ عبد الرَّحمن"، فخرَجَا في أنقاب المدينة، فلَقِيَهُما راعٍ من رِعاءِ المدينة، يُقال له ذُفَافَةُ، فقال له عُمَرُ: "يا ذُفافةُ! هل لك علمٌ بشابٍّ بين هذه الجبال؟  فقال له ذُفافةُ: "لعلَّك تُرِيد الهاربَ من جهنَّم؟  فقال له عُمَرُ: "وما عِلمُك أنَّه هرب مِن جهنَّمَ؟  قال: "لأنَّه إذا كان في جوف اللَّيل، خَرَج علينا من بين هذه الجِبَال، واضعًا يده على أُمِّ رأسِه، وهو يقُول: يا ربِّ! ليت قَبَضتَ رُوحِي في الأرواح، وجَسَدِي في الأجساد، ولا تُجَرِّدْني في فصل القضاء قال عُمَرُ: "إيَّاه نُرِيدُ"، - قال: - فانطَلَقَ بهم ذُفَافةُ، فلمَّا كان في جَوْف اللَّيل، خَرَج عليهم مِن بين تلك الجبال، واضعًا يده على أُمِّ رأسه، وهو يقُول: "يا ليت قبضتَ رُوحِي في الأرواح، وجَسَدِي في الأجسادِ، ولم تُجَرِّدني لفصل القضاء"، - قال: - فعدا عليه عُمَرُ، فاحتَضَنه، فقال: "الأمانَ! الأمانَ! الخلاصَ من النَّار!  فقال له عُمَرُ بنُ الخطَّاب: "أنا عُمَرُ بنُ الخطَّاب فقال: "يا عُمَرُ! هل عَلِم رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِذَنبِي؟  قال: "لا عِلم لي، إلَّا أنَّه ذَكَرَك بالأمس، فبَكَى رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأَرسَلَني وسَلمانَ في طلبك فقال: "يا عُمَرُ! لا تُدخِلني عليه إلَّا وهو يُصَلِّي، أو بلالًا يقولُ: قد قامت الصَّلاة قال: "أَفعَلُ"، فأقبَلُوا به إلى المدينة، فوَافَقُوا رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في صلاه الغَدَاة، فبَدرَ عُمَرُ وسَلمانُ الصَّفَّ فما سَمِع قراءةَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى خرَّ مغشِيًّا عليه، فلمَّا سَلَّم رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال:ص:362.

"يا عُمَرُ! ويا سَلمانُ! ما فَعَل ثعلبةُ بنُ عبد الرَّحمن؟ "، قالا: "ها هو ذا يا رسُولَ الله! "، فقام رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه، فقال: "يا ثعلبةُ! "، قال: "لبَّيك، يا رسُول الله! "، فنَظَر إليه، فقال: "ما غيَّبَك عنِّي؟ "، قال: "ذَنْبِي يا رسُول الله! "، قال: "أَفَلَا أدلُّك على آيةٍ تَمحُو الذُّنوبَ والخطايا؟ "، قال: "بلى، يا رسُول الله! "، قال: "قُل: اللَّهُمَّ! آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنَةً وقِنا عذاب النَّار"، قال: "ذَنبِي أَعظمُ، يا رسُول الله! "، فقال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل كلامُ الله أَعظمُ"، ثُمَّ أَمَرَه رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بالانصراف إلى مَنزِله، فمَرِض ثمانيةَ أيَّامٍ، فجاء سَلمانُ إلى رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا رسُول الله! هل لك في ثَعلَبةَ؟ فإنه لمًّا به"، فقال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا بنا إليه"، فلما دَخَل عليه، أَخَذَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه، فوضعه في حِجرِه، فأزال رأسَه عن حِجرِ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِمَ أزلتَ رأسَك عن حِجرِي؟ "، قال: "إنَّه مِنَ الذُّنُوب ملآنٌ"، قال: "ما تَجِدُ؟ "، قال: "أَجِد مثل دَبِيب النَّمل بين جِلدِي وعَظْمِي"، قال: "فما تَشتَهِي؟ "، قال: "مغفِرَةَ ربِّي"، - قال: - فنزل جِبريلُ على رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إنَّ ربَّك يُقرِئُك السَّلامَ، ويقول: لو أنَّ عبدي هذا لَقِيَنِي بقُراب الأرضِ خطيئةً، لَلَقِيتُهُ بقُرابها مغفرةً"، فقال له رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفَلا أُعلِمُه ذلك؟ "، قال: "بلى"، - قال: - فأعلَمَهُ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فصاح صيحةً، فمات، فأمَرَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِغَسلِه وكَفْنِه، وصَلَّى عليه، فجَعَل رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَمشِي على أطراف أنامله، فقالوا: "يا رسُولَ الله! رأيناك تَمشِي على

أطراف أناملك؟  قال: "والذي بَعَثَنِي بالحقِّ! ما قَدَرتُ أن أَضَعَ رِجلِي على الأرض مِن كَثرَة أجنحة من نَزَل ليشيِّعَه من الملائكة".

قال ابنُ مَندَهْ بعد أن رواه: "تفرَّد به منصورٌ".

وقال الحافظُ في "الإصابة(١/ ٤٠٦): "وفيه ضعفٌ، وشيخُه أضعفُ منه".

* قلتُ: أمَّا منصورٌ، فضعيفٌ جدًّا، قال أبو حاتمٍ: "ليس بالقويِّ".

وقال الدَّارَقُطنِيُّ: "يَروِي عن ضعفاءَ أحاديثَ لا يُتابَعُ عليها".

وقال ابنُ عَدِيٍّ: "مُنكَر الحديث".

وخَتَم الذَّهَبِيُّ ترجمته في "الميزان(٤/ ١٨٨) بقوله: "وساق له ابنُ عَدِيٍّ أحاديثَ تَدُلُّ على أنه واهٍ في الحديث".

أَضِف إلى ما تقدَّم قولَ العُقيليِّ: "فيه تَجَهُّمٌ".

وقال ابنُ أبي شيبة: "كُنَّا عند ابن عُيَينة، فجاء منصورُ بنُ عمَّارٍ، فسأله عن القُرآنِ، فزَبَرَهُ، وأشار إليه بعُكَّازِهِ، فقيل: يا أبا مُحمَّدٍ! إنَّه عابدٌ؟ فقال: ما أراه إلَّا شيطانًا".

وأمَّا شيخُه المُنكدِرُ بنُ مُحمَّد بن المُنكدِر، فقال أبو حاتمٍ: "كان رَجلًا صالحًا، لا يَفهَم الحديث، وكان كثير الخَطَإِ، لم يَكُن بالحافظ لحديث أبيه"، وضعَّفه ابنُ عُيَينة، وابنُ مَعِينٍ في روايةٍ، وأبو زُرْعَة، وأبو داوُد، والجُوْزْجَانِيُّ، ويعقُوبُ بنُ سُفيان، والعِجِليُّ، وآخَرون. ووَثَّقه أحمد، وابنُ مَعِينٍ في روايةٍ، ولخَّص ابنُ حِبَّانَ حالَه، فقال في "المجروحين(٣/ ٤٢): "كان مِن خيار عِبَاد الله، فقطعته العبادةُ عن مُراعَاة الحِفظ،ص:363.

فكان يأتي بالشَّيء تَوَهُّمًا، فبَطل الاحتجاجُ بأخباره".

وهناك عِلَّةٌ أخرى تُبطِل هذا الخبرَ ..

فقال ابنُ الأثير في "أُسْد الغابة(١/ ٢٩٠): "وفيه نَظَرٌ غيرُ إسنادِه، فإنَّ قولَه تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: ٣]، نَزَلت في أوَّل الإسلامِ والوحيِ، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمكَّة، والحديثُ في ذلك صحيحٌ، وهذه القِصَّةُ كانت بعد الهِجرة، فلا يَجتَمِعان".

وقال الحافظ في "الإصابة": "وفي السِّياق ما يَدُلُّ على وَهَن ذلك الخَبَر، لأنَّ نُزُولَ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: ٣]، كان قبل الهِجرَة بلا خلافٍ" انتهى.

كتاب إسعاف اللبيث،ج:3،ص:364.


Loading...