سُئلتُ عن حديث:"إنَّ تَركَ الخطيئةِ أَهوَنُ مِن طَلَب التَّوْبة".
• قلتُ: هذا حديثٌ باطلٌ.
أخرَجَهُ أبو الشَّيخ في "الأمثال"(١٨٩) قال: حدَّثَنا عبدُ الرَّحمن بنُ الحَسَن، ثنا عبدُ الرَّحيم بنُ سلَّامٍ الوَاسِطِيُّ، ثنا قرةُ بنُ عيسى، حدَّثَنا الرُّكَينُ بنُ عبد الله بن سعدٍ الدِّمَشقِيُّ، عن مكحُولٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ مرفُوعًا:"تَركُ الخطيئة … الحديث".
وسَنَدُهُ واهٍ جدًّا؛ ورُكَينُ - ويُقال: رُكْنُ - ابنُ عبد اللّه ترَكَه النَّسَائِيُّ، والدَّارَقُطنِيُّ وغيرُهُما، وقال أبو أحمد الحاكمُ:"يَروِي عن مكحُولٍ أحاديثَ موضُوعَةً"، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ليس بشيءٍ".
والرَّاوِي عنه قُرَّةُ بنُ عيسى لم أَجِد له ترجمةً، إلَّا في "تاريخ واسطَ"(ص ١٧٢) قال: "قُرَّةُ بنُ عِيسَى بن إسماعيل العَبْديُّ"، ولم يَذكُر فيه جرحًا، ولا تعدِيلًا، وهو من شُيُوخ شُيوخ بحشلَ، صاحبِ "تاريخ واسطَ". ووجدته يَروِي عن: الأعمش، وأبي بكرٍ الهُذَلِيِّ، وسَلَمةَ بن نُبَيْطٍ، ويُوسُفَ بن إبراهيم، وأبي العلاء الخَفَّاف، والرَّبيع بن أبي صالحٍ. ورَوَى عنه من شُيُوخ بحشلَ: عليُّ بن مَطَرٍ، ومُحمَّدُ بنُ عبادة، ويحيى بنُ رُزَيق، وأحمدُ بنْ سهلٍ، وعُمَرُ بنُ سَلْمٍ.
وكذلك عبدُ الرَّحيم بن سلَّامٍ الواسطيُّ، تَرجَمَهُ بحشلُ في "تاريخ،ص:452.
واسطَ" (ص ٢٣١)، قال: "أبو عليٍّ عبدُ الرَّحيم بنُ سلَّام بن المُبارَك بن بَنَان، كان يُخَضِّبُ"، ولم يَزِد على ذلك، فكِلَاهُمَا مجهولٌ.
فإذا أضفتَ إلى ذلك أن مكحُولًا الشَّاميَّ لم يَسمَع من عليّ بن أبي طالبٍ، عَلِمتَ أن السَّنَد ظُلُمَاتٌ بعضُها فوق بعضٍ.
وقد أخرَجَهُ ابنُ المُبارَك في "كتاب الزُّهد" (٨٥٠) قال: أخبَرَنا أبو جنابٍ الكَلبِيُّ، قال: قال حُذيفةُ بنُ اليمَان: "إنَّ الحقَّ ثقيلٌ، وهو مع ثِقَلِهِ مَرِيءٌ، وإنَّ الباطل خفيفٌ، وهو مع خِفَّتِهِ وَبيءٌ، وتَركُ الخَطِيئَةِ أَيسَرُ - أو قال: خيرٌ - مِن طَلَب التَّوبة، ورُبَّ شَهوَةِ ساعةٍ أَورَثَت حُزنًا طويلًا".
وسَنَدُه ضعيفٌ؛ وأبو جنابٍ الكَلبِيُّ اسمُه يحيى بنُ أبي حيَّةَ، مُتكلَّمٌ فيه، ثُمَّ هو لم يَسمَع مِن أحدٍ من الصَّحابة. واللهُ أعلَمُ.
ووجدتُهُ في "حِلية الأولياء" (٥/ ١٦٧) لأبي نُعيمٍ الأصبَهَانيِّ، رواه مِن طريق ابن وهبٍ، قال: أخبَرَنِي إبرإهيمُ بنُ نُشَيطٍ، عن عمَّار بن سعدٍ، عن شُفَيِّ بن ماتعٍ الأصبَحِيِّ، قال: "تَركُ الخطِيئَةِ أيسَرُ من طَلَب التَّوبة".
وهذا إسنادٌ لا بأس به، وإبراهيمُ بنُ نُشَيطٍ ثِقَةٌ.
وعمَّار بن سعدٍ هو السَّلْهَمِيُّ المُرَادِيُّ المِصرِيُّ، ذَكَرَهُ ابنُ يُونُس في "تاريخ مِصر"، وقال: "كان فاضلًا" وذكره ابنُ حِبَّان في "الثِّقات" (٧/ ٢٨٤).
فالصَّوابُ أن هذا القولَ من كلام شُفَيِّ بن مَاتِعٍ. واللهُ أعلَمُ.