رواه الديلمي بسنده عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن الحسن عن سمرة قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس، وفيهم غلام ظاهر الوضاءة، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره وقال: فذكره.
قال ابن الصلاح في " مشكل الوسيط ": لا أصل لهذا الحديث.
وقال الزركشي في " تخريج أحاديث الشرح ": هذا حديث منكر، فيه ضعفاء، ومجاهيل، وانقطاع، قال: وقد استدل على بطلانه بقوله صلى الله عليه وسلم: " إني أراكم من وراء ظهري "، كذا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص ١٢٢ - ١٢٣) و" تنزيه الشريعة " لابن عراق (٣٠٨ / ١ - ٢) .
قلت: والاستدلال المذكور فيه نظر، لأن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه إنما هي في حالة الصلاة كما تدل عليه الأحاديث الواردة في الباب، وليس هناك ما يدل على أنها مطلقة في الصلاة وخارجها، فتأمل.
وللحديث طريق أخرى رواه أبو نعيم في " نسخة أحمد بن نبيط " وهي موضوعة كما سيأتي (برقم ٥٦٢) ، ولعل الحديث أصله من الإسرائيليات التي كان يرويها بعض أهل الكتاب، تلقاها عنه بعض المسلمين، فوهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رأيت الحديث في " كتاب الورع " لابن أبي الدنيا (١٦٢ / ٢) موقوفا على ابن جبير، فقال: أخبرنا محمد بن حسان السمتي عن خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير قال: " كان فتنة داود عليه السلام في النظر ".
وهذا الإسناد فيه ضعف وهو مع ذلك أولى من المرفوع.
وقصة افتتان داود عليه السلام بنظره إلى امرأة الجندي أو ريا مشهورة مبثوثة في كتب قصص الأنبياء وبعض كتب التفسير، ولا يشك مسلم عاقل في بطلانها لما فيها من نسبة ما لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل محاولته تعريض زوجها للقتل، ليتزوجها من بعده! وقد رويت هذه القصة مختصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجب ذكرها والتحذير منها ،ص:484.
وبيان بطلانها وهي:
٣١٤ - " إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوحى إلى صاحب البعث فقال: إذا حضر العدوفقرب فلانا، وسماه، قال: فقربه بين يدي التابوت، قال: وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله، فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة ".
باطل.
رواه الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا، كما في " تفسير القرطبي "(١٥ / ١٦٧) ، وقال ابن كثير في تفسيره (٤ / ٣١) : رواه ابن أبي حاتم، ولا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس، ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة.
قلت: والظاهر أنه من الإسرائيليات التي نقلها أهل الكتاب الذين لا يعتقدون العصمة في الأنبياء، أخطأ يزيد الرقاشي فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل القرطبي (١٥ / ١٧٦) عن ابن العربي المالكي أنه قال: وأما قولهم: إنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله، فهذا باطل قطعا، فإن داود صلى الله عليه وسلم لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه.
تنبيه: تبين لنا من رواية ابن أبي حاتم في تفسيره لمثل هذا الحديث الباطل أن ما ذكره في أول كتابه " التفسير ": " أنه تحرى إخراجه بأصح الأخبار إسنادا وأثبتها متنا " كما ذكره ابن تيمية ليس على عمومه فليعلم هذا.