في إبطال المقارنة بين دين الإسلام وغيره، انظره في كتابي:((المواضعة)) وقد عقدت المبحث السابع عشر في ذكر أمثلة لتغيير المصطلحات في الديار الإسلامية.
وذكرت فيه جملة وافرة منها، وأجدها مناسبة لموضوع هذا الكتاب أن أسوق هذا المبحث بتمامة، ثم أُحيل إليه عن الألفاظ الاصطلاحية الوافدة في حروفها من هذا المعجم. وهذا نصه:
((المبحث السابع عشر: في ذكر أمثلة لتغيير المصطلحات في الديار الإسلامية:
نتيجة لغياب الحكم بالإسلام عن سلطة الحاكمية في جل دياره، ولقاء إقصاء القضاء الشرعي عن كراسي القضاء في جل أحكامه، وأثراً من آثار نفوذ الغزو الفكري إلى ديار الإسلام، ولغير ذلك من دواعي الفرقة والتفكك، وعوامل الانحلال والتفسخ، النافذة إلى أفئدة الأُمة على مسارب التبعيات الماسخة للأُمم الكافرة - تجسدت أمام المصلحين نازلة المواضعات الأثيمة على خلاف اللغة والشريعة.
وإن العلماء في لغة العرب - شكر الله سعيهم - قد بذلوا جهوداً مكثفة في القديم والحديث فأنشأوا سدوداً منيعة وحصوناً حصينة للغة القرآن عن عوادي الهجنة والدخيل، ويظهر ذلك في المجامع وهي كُثر وفي كتب الملاحن وهي أكثر، فدب يراعهم، وسألت سوابق أقلامهم وانتشرت سوابح أفكارهم في نقض الدخيل، ونفي المقرف والهجين، فحمى الله سبحانه اللغة حماية لكتابه.
وأما علماء الشريعة فلهم القِدح المعلى والمكان الأنسى فضموا إلى كفاح أُوليك: فائق العناية في الاصطلاح الشرعي، ومتانة التقعيد والتأصيل، وعدم السماح لأي مصطلح دخيل بالدخول في اصطلاح التشريع، وإن كان في بعض المتأخرين من المعاصرين من خفض لها الجناح، ونفخ في بوقها وأناخ. والله يغفر لنا ولهم.
ومفردات هذا المبحث متكاثرة، فهي بحاجة إلى تتبع واستقراء، وترتيبها ترتيباً موضوعياً أو معجمياً، ومن ثم بيان منزلة كل مصطلح من لغة العرب ومن هدي الشريعة، فلعل الله أن يهيء لهذا العمل الجليل من يخدمه ليُسْهِم عاملة في صون الشريعة والذب عن سياجها إسهاماً يشكره عليه الأولون والآخرون.
وفي هذا المبحث قيدت عدة ألفاظ واصطلاحات هي لضرب المثال وليعلم المسلم إلى أي حد بلغ العدوان على لغة الشريعة فقلَّب العدوان لنا الأُمور، وثلة أُخرى من المسلمين نكثوا أيديهم مما عهد إليهم في دينهم وشريعة ربهم، وليأخذ طلاَّب العلم الحذر في عناوين رسائلهم ومؤلفاتهم وبحوثهم، والنابه من إذا ذكر تذكر، وإذا بصر استبصر. وحتى يقول لسان حال المسلم للعداء:
أقول لمحرز لما التقينا تنكب لا يقطرك الزحام
وما قيدته هنا هو في مواضع مختلفة لكن يجمعها حضار الشريعة والتطهر من رجس المشابهة، وذلة المتابعة. فإلى الأخذ برأس القلم لسياقها:
١- الفقه المقارن:
هذا اصلاح حقوقي وافد يُراد به: مقارنة فقه شريعة رب الأرض والسماء بالفقه الوضعي المصنوع المختلق الموضوع من آراء البشر وأفكارهم.
وهو مع هذا لا يساعد عليه الوضع اللغوي للفظ ((قارن)) إذْ المقارنة هي المصاحبة، فليست على ما يريده منها الحقوقيون من أنها بمعنى ((فاضل)) التي تكون وازن، إذْ الموازنة بين الأمرين: الترجيح بينهما، أو بمعنى ((وازن)) لفظاً ومعنى. أو بمعنى ((قايس)) إذالمقايسة بين الأمرين: التقدير بينهما.
يقول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقد اشتق القدامى من مادة القرن ((الاقتران)) بمعنى الازدواج، فقالوا:((اقترن فلان بفلانة)) أي تزوجها، وسمي النكاح ((القرآن)) وزان الحِصان. وأصل ذلك في لغة العرب، أن العرب كانت تربط بين قرني الثورين بمسد تُسميه ((قرنْ)) على وزن بقر فسميا ((قرنين)) وسمى كل منهما قرين الآخر. فلتهنأ الزوجة الراقية بلسان العصر من تسميتها ((قرينة)) فصاحبها ذلكم الثور؟ وعليه: فهذا الاصطلاح ((الفقه المقارن)) تنبغي منابذته وضعاً وشرعاً دفعاً للتوليد والمتابعة.
انظر: مجلة اللغة العربية بمصر ١/ ١٣٨ - ١٦٩. مغامرات لغوية ص/ ٧٨ - ٨٠ عبد الحق فاضل. المدخل للزرقا ٢/ ٩٥٥. أخطاء المنهج الغربي للجندي ص/ ١١ - ١٤. كتابي: الحدود والتعزيرات ص/ ١١ - ١٤.