بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ وَالْأَجْرُ مَجْهُولًا وَجَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ
٢٣٧٩ - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ، وَعَنْ النَّجْشِ وَاللَّمْسِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ)
٢٣٨٠ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ: «نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفَسَّرَ قَوْمٌ قَفِيزَ الطَّحَّانِ: بِطَحْنِ الطَّعَامِ بِجُزْءٍ مِنْهُ مَطْحُونًا، لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ طَحْنِ قَدْرِ الْأُجْرَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ، وَإِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ طَحْنُ الصُّبْرَةِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِقَفِيزٍ مِنْهَا وَإِنْ شَرَطَ حَبًّا؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ مَجْهُولٌ فَهُوَ كَبَيْعِهَا إلَّا قَفِيزًا مِنْهَا) .
٢٣٨١ - (وَعَنْ عُتْبَةُ بْنِ النُّدَّرِ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرَأَ طس حَتَّى بَلَغَ قِصَّةَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَالَ: إنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ عَشْرَ سِنِينَ، عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ).
[بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ وَالْأَجْرُ مَجْهُولًا وَجَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ]
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْأَوَّلُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إلَّا أَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ فِيمَا أَحْسَبُ اهـ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّرَاعَةِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ.
وَلَفْظُ بَعْضِهِمْ «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ» .
وَحَدِيثُهُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ هِشَامٌ أَبُو كُلَيْبٍ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يُعْرَفُ وَكَذَا قَالَ الذَّهَبِيُّ، وَزَادَ: وَحَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَقَالَ مُغَلْطَاي: هُوَ ثِقَةٌ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَحَدِيثُ عُتْبَةُ بْنِ النُّدَّرِ بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ فِي إسْنَادِهِ مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَسَنِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَقِيلَ: اسْمُهُ مُسْلِمٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
قَوْلُهُ: (حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُ قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَهُمْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا يَجِبُ لِلْعُرْفِ وَاسْتِحْسَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بَلْ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ اهـ وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الْقِيَاسُ عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ قَوْلُهُ: (وَعَنْ النَّجْشِ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ هُوَ بَيْعُ الْحَصَاةِ الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ، وَإِذَا أُخِذَ النَّهْيُ عَنْ النَّجْشِ عَلَى عُمُومِهِ صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يُبْعِدُ ذَلِكَ عَطْفُ اللَّمْسِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ) قَدْ سَبَقَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْكِرَاءُ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، يُقَالُ: عَسَبْت الرَّجُلَ: أَيْ: أَعْطَيْتَهُ الْكِرَاءَ وَقِيلَ: مَاءُ الْفَحْلِ نَفْسُهُ، لِقَوْلِ زُهَيْرٍ:
وَلَوْلَا عَسْبُهُ لَتَرَكْتُمُوهُ ... وَشَرُّ مَنِيحَةٍ فَحْلٌ مُعَارُ
وَقَدْ ذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْعِتْرَةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْجِيرُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَصِحُّ كَالْإِعَارَةِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ) حَكَى الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَحَدِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يُقَالَ لِلطَّحَّانِ: اطْحَنْ بِكَذَا وَكَذَا وَزِيَادَةِ قَفِيزٍ مِنْ نَفْسِ الطَّحِينِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالنَّاصِرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ بَعْضَ الْمَعْمُولِ بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَالْمُزَنِيِّ: إنَّهُ يَصِحُّ بِمِقْدَارٍ مِنْهُ مَعْلُومٍ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ مِقْدَارَ الْقَفِيزِ مَجْهُولٌ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى طَحْنِ صُبْرَةٍ بِقَفِيزٍ مِنْهَا بَعْدَ طَحْنِهَا، وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ: (وَطَعَامِ بَطْنِهِ) فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمِثْلُهَا الْكِسْوَةُ، وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْهَادَوِيَّةُ وَالْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ: لَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ.
نيل الأوطار،ج:5،ص":249إلى251.