إنّ العبد لَيُحْرَم الرزقَ بالذنب يصيبه

إنّ العبد لَيُحْرَم الرزقَ بالذنب يصيبه

اللفظ / العبارة' إنّ العبد لَيُحْرَم الرزقَ بالذنب يصيبه
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

ومنها: حرمان الرزق. وفي المسند: "إنّ العبد لَيُحْرَم الرزقَ بالذنب يصيبه". وقد تقدّم (١).

وكما أنّ تقوى الله مَجلَبة للرزق، فتركُ التقوى مجلبة للفقر. فما استُجْلِبَ رزقُ الله بمثل ترك المعاصي.

ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبيّن الله، لا يوازنها ولا يقارنها (٢) لذة أصلًا. ولو اجتمعت له لذّاتُ الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة. وهذا أمر لا يحسّ به إلا من في قلبه حياة. و"ما لجرحٍ بميّتٍ إيلامُ" (٣).

فلو لم يترك الذنوب إلا حذرًا من وقوع تلك الوحشة، لكان العاقل حريًّا بتركها.

وشكا رجل إلى بعض العارفين وحشةً يجدها في نفسه فقال له (٤):

إذا كنتَ قد أوحشتك الذنوبُ … فدَعْها إذا شئتَ واستأنسِ (٥)


(١) في ص (١٠٣،١٣).
(٢) كذا في ل، خا. وفي ف: "لا يوازيها ولا يقاربها". وفي ز: "لا يوازنها ولا يقاربها". والفعل الثاني في س بالباء والنون معًا.
(٣) عجز بيت لأبي الطيب في ديوانه (٢٤٥) وصدره:
من يَهُنْ يسهُلِ الهوانُ عليه
(٤) ف: "قال له". ز: "وقال له".
(٥) أنشده المصنف في المدارج (٢/ ٤٠٦) أيضًا، وسيأتي مرة أخرى في ص (١٨٣). وهو يشبه قول القاضي أبي بكر الأرّجاني، وقد يكون رواية مغيّرة منه:
أسأتَ فأصبحتَ مستوحشا … فأحسِنْ متى شئتَ واستأنِسِ
انظر: ديوانه (٨١٦)، وخريدة القصر - قسم فارس (٣/ ٢٨١)، وصدره في = 

وليس على القلب أمَرُّ من وحشة الذنب على الذنب، فالله المستعان (١).

ومنها: الوحشة التي تحصل له بينه وبيّن الناس، ولا سيما أهل الخير منهم، فإنّه يجد وحشةً بينه وبينهم، وكلّما قويت تلك الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالستهم، وحُرِمَ بركة الانتفاع بهم، وقرُبَ من حزب الشيطان بقدر ما بعُد من حزب الرحمن. وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم، فتقع بينه وبيّن امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبيّن نفسه، فتراه مستوحشًا من نفسه!

وقال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خُلُق دابّتي وامرأتي (٢).

ومنها: تعسير أموره عليه. فلا يتوجّه لأمر إلا يجده مغلقًا دونه، أو متعسّرًا عليه. وهذا كما أنّ من اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، فمن عطّل التقوى جعل له من أمره عسرًا.

ويالله العجب! كيف يجد العبد أبوابَ الخير والمصالح مسدودةً عنه، وطرُقَها معسَّرةً عليه، وهو لا يعلم من أين أُتِيَ؟

ومنها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقةً، يحسّ بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهمَّ، فتصير ظلمةُ المعصية لقلبه كالظلمة الحسّية لبصره. فإنّ الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلّما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتّى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة، وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده. وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوادًا فيه (١) يراه كلّ أحد.

قال عبد الله بن عباس (٢): إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإنّ للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغِضةً في قلوب الخلق (٣).


(١) ز: "في الوجه".
(٢) قارن بما نقله المصنف عن ابن عباس وأنس في روضة المحبين (٥٨٦).
(٣) لم أقف عليه. وقد ورد نحوه عن الحسن البصري ومالك بن دينار وإبراهيم بن أدهم وأنس بن مالك مرفوعًا.
فأما الحسن، فأخرج قوله ابن أبي الدنيا في التوبة (١٩٧،١٩٣) والبيهقي في الشعب (٦٨٢٦) وغيرهما بلفظ "إن الرجل ليعمل الحسنة فتكون نورًا في قلبه، وقوة في بدنه. وإن الرجل ليعمل السيئة فتكون ظلمة في قلبه، ووهنًا في بدنه". هذا لفظ ابن أبي الدنيا، وسنده صحيح.

الداء والدواء ،ص:133إلى 135.

Loading...