الغفلة عن التفكر في خلق الله

الغفلة عن التفكر في خلق الله

اللفظ / العبارة' الغفلة عن التفكر في خلق الله
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
المحتوى

[١٦ ـ باب التفكر]

قد أمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في كتاب العزيز، وأثنى على المتفكرين بقوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: ١٩١] وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: ٣].

وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله" (١).

قال أبو الدرداء رضى الله عنه: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، وما فهم إلا علم، وما علم إلا عمل.

وقال بشر الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه.

وقال الفريابى في قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: ١٤٧]، قال: أمنع قلوبهم من التفكر في أمري.

وكان داود الطائى على سطح في ليلة قمراء، فتفكر في ملكوت السموات والأرض، فوقع في دار جار له، فوثب عرياناً وبيده السيف، فلما رآه قال: يا داود، ما الذي ألقاك؟ قال: ما شعرت بذلك.

وقال يوسف بن أسباط: إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها، بل لينظر بها إلى الآخرة. وكان سفيان من شدة تفكره يبول الدم.

وقال أبو بكر الكتاني. روعة عند انتباهة من غفلة، وانقطاع عن حظ نفساني، وارتعاد من خوف قطيعة، أفضل من عبادة الثقلين.


(١) أخرجه الطبرانى في "الأوسط" والبيهقى في "الشعب" وابن أبى الدنيا في "التفكير"، وأبو الشيخ في "العظمة" وفى سنده الوزاع بن نافع، قال النسائي: متروك، وقد أورد الذهبى هذا الحديث من منكراته، وانظر شرح الإحياء: ١٠/ ١٦٢.

[١٧ ـ بيان مجارى الفكر وثمراته]

واعلم: أن الفكر قد يجرى في أمر يتعلق بالدين، وقد يجرى في أمر يتعلق بغيره، وإنما عرضنا ما يتعلق بالدين، وشرح ذلك يطول. فلينظر الإنسان في أربعة أنواع: الطاعات، والمعاصي، والصفات المهلكات، والصفات المنجيات. فلا تغفل عن نفسك، ولا عن صفاتك المباعدة عن الله، والمقربة إليه.

وينبغى لكل مريد أن تكون له جريدة يثبت فيها جملة الصفات المهلكات، وجملة الصفات المنجيات، وجملة المعاصي والطاعات، ويعرض ذلك على نفسه كل يوم.

ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة، فإنه إن سلم منها سلم من غيرها، وهى: البخل، والكبر، والعجب، والرياء، والحسد، وشدة الغضب، وشره الطعام، وشره الوقاع، وحب المال، وحب الجاه.

ومن المنجيات عشرة: الندم على الذنوب، والصبر على البلاء، والرضى بالقضاء والشكر على النعماء، واعتدال الخوف والرجاء، والزهد في الدنيا والإخلاص في الأعمال، وحسن الخلق مع الخلق، وحب الله تعالى، والخشوع.

فهذه عشرون خصلة: عشرة مذمومة، وعشرة محمودة، فمتى كفى من المذمومات واحدة خط عليها في جريدته، وترك الفكر فيها، وشكر الله تعالى على كفايته إياها. وليعلم أن ذلك لم يتم ألا بتوفيق الله تعالى وعونه، ثم يقبل على التسعة الباقية، وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع. وكذلك يطالب نفسه بالاتصاف بالصفات المنجيات، فإذا اتصف بواحدة منها، كالتوبة والندم مثلاً، خط عليها واشتغل بالباقي، وهذا يحتاج إليه المريد المشمر.

فأما أكثر الناس من المعدودين في الصالحين، فينبغي أن يثبتوا في جرائدهم المعاصي الظاهرة، كأكل الشبهات، وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة، والمراد، والثناء على النفس، والإفراط في موالاة الأولياء، ومعاداة الأعداء، والمداهنة في ترك الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، فإن أكثر من يعد نفسه من جوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه، ومالم تطهر الجوارح من الآثام، لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتظهيره.

وكل فريق من الناس يغلب عليهم نوع من هذه الأمور، فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكيرهم فيها. مثاله العالم الورع فإنه لا يخلو في غالب الأمر من إظهار نفسه بالعلم، وطلب الشهرة، وانتشار الصيت، إما بالتدريس، أو بالوعظ. ومن فعل ذلك، فقد تصدى لفتنة عظيمة لا ينجو منها إلا الصديقون. وربما ينتهي العلم بأهل العلم إلى أن يتغايروا كما يتغاير النساء وكل ذلك من رسوخ الصفات المهلكات في سر القلب التي يظن العالم النجاة منها، وهو مغرور فيها.

ومن أحس من نفسه هذه الصفات، فالواجب عليه الانفراد والعزلة، وطلب الخمول والمدافعة للفتاوى، فقد كان الصحابة يتدافعون الفتاوى، وكل منهم يود لو أن أخاه كفاه. وعند هذا ينبغي أن يتقى شياطين الإنس، فإنهم قد يقولون: هذا سبب لاندراس العلم، فليقل لهم: دين الإسلام مستغن عنى، ولو مت لم ينهدم الإسلام، وأنا غير مستغن عن إصلاح قلبى، فليكن فكر العالم في التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه، نسأل الله أن يصلح فساد قلوبنا وأن يوفقنا لما يرضاه عنا.

مختصر منهاج القاصدين ،ص:377إلى 380.

Loading...