[١/٦٠] تتعدّد أخطاءُ النّاس أوّل دخولهم المسجد يوم الجمعة، فترى بعضهم يجلس تحية المسجد، خصوصاً إنْ جاء متأخّراً، والإِمام يخطب.
ومضى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رجلاً قد جلس، ولم يفعل ما هو مشروع من تحية المسجد، أمره بركعتين، فقال:((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فَلْيَرْكع ركعتين، وَلْيَتَجوَّزْ فيهما)) (١) .
أي: إنَّ خطبة الإمام، والاستماع لها، غير مانعين من تحيّة المسجد
ولعل هذا الفريق يستدل بما روي عن ابن عمرو مرفوعاً:((إذا صعد الخطيب المنبر، فلا صلاة ولا كلام)) !!
ولكنه حديث باطل، أخرجه الطبراني في ((الكبير)) وفيه ((أيوب بن نهيك)) (٢) .
وهو ـ مع ضعف إسناده ـ يخالف الحديث السابق، إذ هو (صريح بتأكد أداء الرّكعتين، بعد خروج الإِمام، بينما هذا الحديث ينهى عنهما!!
[٢/٦٠] فمن الجهل البالغ أن ينهى بعضُ الخطباء عنهما مَنْ أراد أن يصليهما، وقد دخل، والإِمام يخطب، خلافاً لأمره - صلى الله عليه وسلم -، وأني لأخشى على مثله أن يدخل في وعيد قوله تعالى:
ولهذا قال النووي ـ رحمه الله ـ:((هذا نص لا يتطرق إليه التأويل، ولا أظن عالماً يبلغه
ويعتقده صحيحاً، فيخالفه)) (١) .
والحديث السابق يدلّ بمفهوم قوله:((والإمام يخطب)) أن الكلام والإمام لا يخطب، لا مانع منه. ويؤيّده: جريانُ العمل عليه في عهد عمر ـ رضي الله عنه ـ كما قال ثعلبة بن أبي مالك: ((إنهم كانوا يتحدّثون حين يجلس عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على المنبر، حتى يسكت المؤذّن، فإذا قام عمر على المنبر، لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما))
فثبت بهذا أن كلام الإمام هو الذي يقطع الكلام، لا مجرّد صعوده على المنبر، وأن خروجه عليه، لا يمنع من تحية المسجد، فظهر بطلان حديث الباب، والله تعالى الهادي للصّواب)) (٣) .
قال الحافظ ابن حجر:((قال شخنا الحافظ أبو الفضل في ((شرح الترمذي)) : كل مَنْ نقل عنه ـ يعني من الصحابة ـ منع الصّلاة، والإمام يخطب، محمول على مَنْ كان داخل المسجد، لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحيّة، وقد ورد فيها حديثٌ يخصّها، فلا تترك بالاحتمال)) (٤) .
قال الإِمام الشافعي:((نقول ونأمر مَنْ دخل المسجد، والإِمام يخطب، والمؤذّن يؤذّن، ولم يصلّ ركعتين، أن يصليهما، ونأمره أن يخففهما، فإنه روي في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتخفيفهما)) (٥) .
وقال أيضاً: ((وسواء كان في الخطبة الأولى أم في الآخرة، فإذا دخل، والإمام في آخر الكلام، ولا يمكنه أن يصلّي ركعتين خفيفتين، قبل دخول الإِمام في الصلاة، فلا عليه أن يصلّيهما، لأنه أمر بصلاتهما حيث يمكنانه، وحيث يمكنانه مخالف لحيث لا يمكنانه. وأرى للإِمام أن يأمره بصلاتهما، ويزيد في كلامه، بقدر ما يكملهما، فإن لم يفعل الإِمام كرهت ذلك له، ولا شيء عليه))(١).
[٣/٦٠] وبعضهم يجلس عند دخوله المسجد، حال الخطبة الأولى، فإذا جلس الخطيب، قبل شروعه في الثّانية، قام، وصلّى التحيّة، وهذا جهل ومخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإِمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما)) (٢) .
[٤/٦٠] وبعضهم يأتي، بعد جلوس الخطيب، على المنبر، والمؤذّن يؤذّن الأَذان الثاني، فلا يدخل في صلاة التحية مباشرة، وإنما ينتظر حتى ينهي المؤذّن الأذان، ويشرع الخطيب في خطبة الجمعة، فيحرم بصلاة التحيّة. وهذا خطأ، لأن الاستماع إلى الخطبة فرض، وإجابة المؤذّن سنة.
عن ثعلبة ابن أبي مالك القرظي:((أدركت عمر وعثمان، فكان الإِمام إذا خرج يوم الجمعة، تركنا الصّلاة، فإذا تكلّم تركنا الكلام)) (٣) .
((في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذّن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدّث في أثناء الأذان، وسكوت عمر عليه. وكثيراً ما سئلت عن الدليل الصّارف للأمر بإجابة المؤذّن عن الوجوب؟ فأجبتُ بهذا، والله أعلم))(٤).
[٥/٦٠] نعم، حكى النووي عن المحققين: أن المختار إن لم يصلّ تحية المسجد، أن يقف حتى تقام الصّلاة، لئلا يكون جالساً بغير تحية، أو متنفّلاً حال إقامة الصّلاة (٥) .
ولكن هذا في غير الحالة السّابقة، اذ جاء الأثر على الأمر به كما هو ظاهرٌ بيِّن. نعم لو دخل المسجد، ووجد الخطيب قد انتهى من خطبته، فله الانتظار، حتى لا يكون متنفّلاً حال الإِقامة، والله أعلم.